Saturday 9 July 2011

تعليق سريع حول انفصال جنوب السودان


تعليق سريع حول انفصال جنوب السودان:

اليوم اعلنت جنوب السودان رسميا انفصالها و اعترفت مصر فورا بالدولة الوليدة. و ما زال البعض منا يردد نظريات المؤامرة حول انفصال السودان على انها، كالعادة كما نردد دائما، مؤامرة "صهيونية امريكية مشتركة" لتقسيم الدول العربية. اريد ان اوضح مجموعة من النقاط سريعا، هدفها الاشارة الى منطقية و الانفصال الى حد ما:


علم الجنوب


السودان مكتملا، المنطقة الزرقاء هي الجنوب، الخضراء هي دارفور، و البرتقالية هي الشمال، و الصفراء هي منطقة ابيي المتنازع عليها.

١- اغلب حدود الدول الافريقية الحالية هي حدود رسمها الاستعمار الانجليزي و الفرنسي و البرتغالي (انجولا و موزامبيق) و الالماني (لناميبيا) و لا تعبر عن دول كانت موجودة من قبل في اغلب الحالات. اغلب الدول الافريقية الحالية هي في الاساس قبائل و ممالك يتخطى العديد منها حدود الدول الحالية، و مازال الحكام التقليديون و ملوك هذه القبائل يحظون بولاء و سلطات يتعدون الحكومات المركزية في تلك الدول فيما يتعلق بمحكوميهم المباشرين من ابناء المملكة او القبيلة. السودان كان افضل حالا نسبيا نظرا لاتصاله الجغرافي سياسيا عدة مرات اثناء تاريخه، بدئا من مملكة "الكوش" حتى الآن. و مع ذلك، فلعب الاستعمار الانجليزي دوره ايضا من حيث ترسيم الحدود الحالية . و بالرغم من اعتماد الدول الافريقية لحدودها الحالية عام ١٩٦٣ من قبل ما اصبح اليوم الاتحاد الافريقي ، الا ان التوترات و الولائات الحقيقية ظلت قائمة على الارض و تمثلت في حروب اهلية مستمرة حتى اليوم في عدد كبير من الدول الافريقية. 

٢- جنوب السودان و شماله شديدي الاختلاف. الشمال عرقيا يختلف عن الجنوب، حيث ينتمي الجنوب بصورة اوضح الى الشكل الافريقي و البشرة السمراء، بينما يغلب الشكل العربي البدوي على الشمال. الشمال يدين بالاسلام و يتحدث بالعربية و له عادات و تقاليد مختلفة و يتركز اغلب الشماليون في الشمال، مما يعطيه صفة موحدة.  الجنوب يدين بالديانة بالمسيحية و الديانات التقليدية و الارواحية و يتحدث الانجليزية (اللغة الرسمية للدولة) و الاوسع انتشارا، و له ايضا لهجة عربية مختلفة تسمى عربية-جوبا، و بالتالي فهما شعبين لهم طبيعتين مختلفتين تماما.

٣-  قامت مشاكل عديدة بين الشمال و الجنوب من بعد الانفصال، و ازدادت حدة المشاكل بعد حاول الشمال تطبيق مفهومه للشريعة الاسلامية على الجنوب و قامت حروب بشعة بين الجانبان لاسباب عديدة و راح ضحيتها ارقاما مهولة من الناس (وصلت في احدي القياسات الى ٢ مليون قتيل، بالاضافة الى فقدان ما يقرب من ٤ مليون الى منازلهم في الجنوب) و يرى العديد ان الشمال قد اساء تمثيل مواطني الجنوب في الحكومة المركزية حتى بعد الهدنة، و كانت هناك قضايا اخرى و جدليات متعلقة بتوزيع ثروات البترول الذي يقع اغلبه في الجنوب و اشتكي الجنوبيون من عدم عدالة الحكومة الشمالية في توزيع الارباح منها و من غيرها من موارد الدولة.

٤- الدور و الاستثمار الاسرائيلي في الجنوب ربما كانا محفزا، و لكنه لم يكون ابدا سببا رئيسيا، و لا يجادل محلل سياسي او دارس للمنطقة ان الرغبة في الانفصال بعد التاريخ الغير ناجح من التعايش مع بين الطرفين كان موجودا سواء تواجدت اسرائيل او لم تتواجد. و صوت الجنوبيين بنعم للانفصال ب٩٩٪.

٥- انقسام الدول يحدث عادة اما لعدم وجود تعايش هادئ بين أقسام الدولة او لعدم اشتراك أقسام الدولة في صفات مشتركة مثل العرق او اللغة او الدين، مثلما حدث في تفكك يوغوسلافيا و حرب كوسوفو. و كلا العاملين كانا موجدين بين الشمال و الجنوب في السودان، و بالتالي فالانفصال كان مجرد مسألة وقت في حالة عدم حدوث اي تغيرات جذرية في شكل العلاقة بين الشعبين و الحكومتين الشمالية و الجنوبية.



No comments:

Post a Comment