Saturday 19 May 2012

مشكلة الإنسان

لا توجد طاولة مستقلة في مطعم بها كرسيا واحدا...


مشكلة الإنسان هو أنه لا يقدر على أن يكون وحيدا. العلاقات هي هدفه، وأن تعلو مكانته في بين الناس هو ما يصبو إليه.

أنت لا تريد أن تكون وحدك، وستفعل كل شيء وأي شيء حتى لا تكون وحيدا. وغير ذلك، ستفعل كل شيء وأي شيء حتى يعلو شأنك.

وأهم ما ستفعل رغما عنك هو أنك ستبحث عن مجموعة أو دائرة لتنتمي لها، سواء أن أدركت أنك تفعل ذلك أو لم تدرك. ستبحث عن فرقة ومجموعة فكرية أو سياسية أو حتى رياضية لكي تصبح جزئا منها، وربما ستختار أن تنتمي لهم لأنه قد أعجبتك ظاهر أفكارهم، أو لأن أفكارهم مريحة بالنسبة لحياتك ولظروفك، أو لأن أفكارهم تملئ مساحة ما فارغة في حياتك، أو حتى لأن هناك فتاة جميلة بينهم قد إجتذبتك، وربما كل هذه الأسباب مجتمعة معا. ثم بعد قليل، ستصبح علاقاتك بأفراد هذه الفرقة هي أهم ما في حياتك، وسيصبحون أصدقائك ومصدر أمانك وراحتك وقوتك والإلهامك، وستتداخل حياتكم معا لدرجة التوحد، ولعلك حتى تتزوج الفتاة الجميلة، أو غيرها.

 ثم بعد فترة ستنسى أنك دخلت هذه الفرقة بحثا عن أفكار وأهداف، كما كنت قد ظننت لنفسك من قبل، وستكون الأفكار عبدة للفرقة، بينما الفرقة ذاتها وترابطها وسلامتها وإنضباطها هم الأهم.

فلن تستطيع أن تغير قناعاتك بعد أن أصبحت جزئا من الكيان، بل وبعد أنه قد إرتفع شأنك بداخله وأصبح البعض ينظر إليك بإعجاب أو حتى بتطلع، وربما يهلل لكلامك ويصفق له. وعندما يهللون لك، سيفرز جسدك هرمونات السعادة وستشعر أنك ملهما وأنك تحارب من أجل شيئا ساميا، فكيف تخسر كل ذلك في سبيل أن تكون إنسان أكثر حيادية؟ لن تقدر. أنت لست قادرا على إغضابهم وخسارتهم في سبيل الحقيقة. والأدهى من ذلك، فأنت لن تدري على الأرجح أنك صرت كذلك. وستتخلى عن التحليل الحيادي والمنطقي بعد فترة حول مدى سلامة الأفكار ذاتها التي تنتمي إليها، وكل ما ستفكر فيه هو كيف تحققها وتحقق الأهداف التي تمثلها، وهذا سيكون ذلك موتا لعقلانيتك. 


لقد صرت ترسا في ماكينة ربما لا يتحكم بها أحدا.

وسيكون كل من ولائك لفريقك ودائرتك يعلو على أي شيء، وسيكون ذلك موتا أخرا لعقلانيتك.

وسترى كل الأخرين على أنهم مضحوكا عليهم أو منساقين أو أغبياء أو أشرار، وسيكونون خصوما بدرجة ما أو بأخرى، وستنظر إليهم بمزيج من الشفقة والغضب والتحدي، وسيكون ذلك موتا أخرا لعقلانيتك.

وعندما يقول أحد خصومك فكرة ما، فستسارع إلى تحضير "الرد" دون حتى محاولة التفكير في مدى سلامة فكرته الواحدة أو الكبرى، وسيكون ذلك موتا أخرا لعقلانيتك.

وعندما سيقول لك أحدهم أن الماركسية أو الليبرالية (أو أن نادي الزمالك أفضل من الأهلي أو العكس) أو غيرهما خطأ، فستبحث عن الفيديو أو المقالة الذان يثبتان صحة فكرتك وخطأ زعمه بصورة مباشرة، وليس المزيد الذي قد يتحدى فكرتك ويثبت لك أن الحقيقة ربما شيئا أخر مما أنت عليه. فنحن لا نريد معرفة الحقيقة. نحن فقط نريد ألا نخسر كل ما بنيناه. لا نريد أن نخسر ثبوتنا النفسي وثباتنا الفكري والعقلي. نحن لا نريد أن نخسر علاقاتنا ومكاناتنا بين الناس. نحن لا نريد أن نفقد تهليلهم وتصفيقهم.


أنت لا تريد أن تخرج خارج الدائرة. أنت لا تريد أن تصير وحيدا.

No comments:

Post a Comment