(ملحوظة: حكى لي شخصا هذه الرواية منذ عدة سنوات، و تذكرتها اليوم. أرويها بصوته):
كنت في أحدى أيام مراهقتي أصلي في أحدى الجوامع التي لم أصلي بها من قبل. و بعد أن إنتهيت من صلاتي نظرت الى مصدر صوتا كان كثيرا ما يقاطع تركيزي، ليس بعلوّه، و لكن بعذوبته. ففي الواقع، فقد كان الصوت خافتا شديد الخفوت أنني لم يكن بإستطاعتي أن أميز الكلمات من حيث وقفت.
فإقتربت قليلا...
و كان الصوت هو للشيخ الذي يتحدث في حلقة الدرس بالجامع، و كان يجلس على الأرض مع تلاميذه و من يستمع إليه من العابرين.
كان الشيخ، بعد ان كان قد إنتهى من درسه الفقهي الرئيسي، بدأ في رواية مجموعة من الحِكَم و القصص الحكمية القصيرة للحضور، بعضها كان ذو أصلا دينيا خالصا، و بعضها الآخر كان بالأساس حكما عالمية ذات أصول و مصادر مختلفة. و كان إنتقاؤه لها قد تم بعناية شديدة، و كانت مذهلة و رائعة، كادت كل واحدة منها ان تكون جوهرة و درسا بذاتها، و خاصة لمن كان يافعا مثلي أنذاك.
و بعد أن إنتهى، هرع أحد الحضور و أمسك يد الشيخ و أراد أن يقبلها في سعادة و إحترام و تبجيل للشيخ و علمه و قدره، فنزع الشيخ يده من يد الشاب بذعر شديد و نظر إليه و كأن الشاب قد حاول قتله. و بعد لحظة من الصمت الثقيل، إبتسم الشيخ في حب و نظر للشاب و قال له:
"لا تقبل يدي يا أخي، و لا تقبل يد أي إنسانا أخر مثلك. فما أنا سوى إنسان فانٍ مثلك، جمعت القليل من العلم من كتبٍ هي للجميع ان يتعلم منها، و منها ما أصاب و منها ما أخطأ، و من تفسيري لها ما أصاب و ما أخطأ. و لا يوجد أي إنسان على الأرض مقدس في حياتنا هذه يا بني. و إن سمحت لك أن تقبل يدي في أحدى الأيام، فلا تحضر لي درسا أخر، و إعلم أنني بذلك قد سمحت لنفسي أن أشعر أنني أعلى منك و من غيري، و أنني قد فقدت تواضعي و موضوعيتي و اللهث الصادق وراء العلم، و أنها على الأرجح ستكون هذه نهايتي كمعلم، و ربما حتى نهايتي كإنسان. كما أنك بذلك ستكون قد وضعتني على منصة عالية، و تركت لي عقلك لي أفعل به ما شئت، ربما أصلحته و ربما خربته."
فقال له الشاب: "و إن أردت أن أشكرك يا شيخنا؟"
فرد عليه الشيخ: "فلتعلمني أنت شيئا تعلمته في حياتك إذا كنت تريد، و تزيدني بذلك علما حتى و ان كنت لا تعرف سوى شيئا واحدا، و لتدعو الله عز و جل لي و للناس بالعلم و الصحة و الخير و الهداية."
فإبتسم الشاب و الحضور، ثم روى الشاب رواية قصيرة للشيخ عن شيئا مهما قد حدث له في حياته، ثم دعا له...