Thursday, 20 September 2012

مغامرات عم سيد وعبد الله والثورة والصندوق والشارع والشاي و"البقعة"

- منتصف فبراير - سنة ٢٠١٠ - نهارا، سائق أعرفه يدعى (لغرض هذه المقالة) عم سيد يمتلك سيارة أجرة، وبينما أقوم بشراء كوبا من الشاي من مقهى يقع في أول الشارع الذي أقطن به، فإذا بعم سيد يدخل الشارع عكس الإتجاه القانوني. إستوقفته وقلت له أن ذلك لا يصح، فقال لي: "يا عم باسم البلد دي هي كده. البلد دي لازملها ثورة عشان تنضف! غير كده متقولليش عكس الإتجاه وبتاع. مش شايف وساخة الشارع أساسا عاملة إزاي؟!" القطط تفترس محتويات صندوق القمامة والذي سقط أرضا كعادته. هناك بقعة محددة في ذلك الشارع لم ينظفها أحدا منذ عرفتها منذ أكثر من ٢٠ عاما.

الطَبْعْ.


- منتصف فبراير - سنة ٢٠١١ - نهارا، أقف مرة أخرى عند نفس المقهى، فإذا بعم سيد ذاته على قدميه يهب في شخص يحاول دخول الشارع نفسه عكس الإتجاه القانوني ويصرخ فيه: "حرام عليكم بقى! سيبوا البلد تنضف شوية! ده البلد فيها ثورة يا عم إحنا إتغيرنا ونفسنا نعيش على نضيف!" الشخص يقوم بالرجوع عن دخول الشارع، وأقوم أنا وغيري بتحية عم سيد وذكرته بالموقف الذي حدث منذ عام، وضحكنا، و"عزمته" على الشاي إحتفالا. في نفس تلك اللحظة، شاب لا يتعدى ال٢٠ من عمره يُدعى عبد الله يقوم بالمشاركة في تنظيف ذلك الشارع الكامن في المهندسين. عبد الله من منطقة الهرم بالأساس، وكان في سيارة أجرة بالصدفة حين رأي البعض ينظف الشارع فقرر أن يساعدهم وهو لا يعرفهم، وظل ينظف ساعتين على الأقل. تأثرت بلفتة عبد الله ومساعدة ذلك الشخص الغريب والغير مستفيد لشارع غريب يقع أبعد ما يكون عن منزله وعمله. تبادلت أنا وعبد الله أرقام التليفون وإتفقنا أن نعزم بعضنا البعض على الشاي يوما. وبعد أن ذهب عبد الله، كانت تلك البقعة نظيفة لأول مرة في تاريخها. 

غلب التطبع الطبع.

- منتصف فبراير - سنة ٢٠١٢ - نهارا، أقف مرة أخرى عند نفس المقهى. أسمع صوت شجار، فألتفت لأجد عم سيد يشتبك مع سائق أخر. بعد التقصي، إكتشفت أن عم سيد حاول دخول الشارع عكس الإتجاه القانوني، وإشتبك مع السيارة التي تخرج منه بشكل قانوني. سألت عم سيد في ذهول لماذا يشتبك وهو على خطأ فقال: "يا عم باسم هي البلد دي هي كدة. ويعدين إحنا لسة خارجين من ثورة. إحنا عايشين في غابة. يعني كله بالدراع."

غلب الطبع التطبع.

أحبطّني يا عم سيد. الله يسامحك يا عم. طلعت زي مشروع النهضة.

وإذا بعبد الله يتصل بي في التليفون فجأة بعد ذلك بيومين، فقط ليسلم علي، وكانت تلك المرة الثانية التي يحدثني فيها منذ ذلك اليوم، وذكرني بأنه مستعد لأن يعزمني على الشاي وقتما أكون قريبا منه. نظرت إلى البقعة التي نظفها، فإذا بها لازالت نظيفة. وكان هناك صندوق قمامة جديد مثبت جيدا أحضره إحدى سكان العمارة المقابلة، ولم يسقط أرضا حتى الآن.

قصة حقيقية...

No comments:

Post a Comment