Thursday, 7 February 2013

٢٠ نقطة وجدلية أساسية حول ما يتعلق بأزمة مصر


الجميع يتفق أن الوضع قد وصل في مصر إلى درجة لا يمكن إستمرارها أكثر من ذلك، سواء أمنيا أو إقتصاديا أو سياسيا. ولن أطيل في مقدمة تشرح مدى سوء الأوضاع لأن ذلك لن يعدو سوى كونه سفسطه كتابية في حيت أن الكل يدري الحال بتفصيلاته السخيفة تارة، والمفجعة تارة. ولكن كل ما أود أن أضيفه في هذه المقدمة هو شيء واحد: لم يكن إضطراريا أن يصل بنا الحال إلى ذلك. ما نحن فيه هو بسبب فشل النخب السياسية، الحاكمة والمعارضة، في الكثير من التحديات التي واجهت الوطن على مدار السنتين الماضيتين.

في مقال مطول لي منذ فترة طرحت عدة محاور رأيت أنها نقاط أساسية للخروج من حالة الفشل الذريع التي تعاني منها الدولة والعملية السياسية في مصر، طُلب منى أن أعيد تقديمها هنا بشكل مختصر ومعدل. هذه المحاور ليست بترتيب أهميتها أو أولوية نقاشها. وأطرحها هنا بشكل نظري وبمعزل جزئي عما يحدث سياسيا الآن وعن الجدالات الدائرة حول الشرعية والعنف وغيرها من الجدالات:

١ - إصلاح العلاقة بين المواطن والشرطة وبشكل طويل المدى، والنظر في التحديات الأمنية: بما يتضمن إدخال وتفعيل العنصر الحقوقي في منظومة وزارة الداخلية وبحث كيفية إعادة هيكلته وحسم الجدل حول قضايا العنف ضد المتظاهرين. وجانب إصلاح وهيكلة منظومة الداخلية، فهناك ما يتعلق بتطوير الأداء الأمني في مصر وإعادة الشعور بالأمن في أنحاء البلاد، وذلك سيتطلب بعض الحلول الجديدة كذلك.

٢ - إعادة الثقة في إستقلال القضاء: بما في ذلك حسم الجدل حول مسألة النائب العام والمحاكمات.

٣ - التحقيق الشفاف والمكتمل في أحداث العنف التي تبعت الثورة: بما في ذلك الأحداث الأخيرة، ومحاسبة كل وأي مسئول عنها.

٤ - حسم الخلاف حول الدستور: لن تستقر البلاد طالما يشعر جزء كبير منها أنه تم إختطاف حقه في المشاركة الحقيقية في صناعة وتشكيل دستورها الجديد، ولابد من إتفاق واضح وصريح بإلتزامات مباشرة حول كيفية تعديل الدستور بما تتفق عليه القوى السياسية وقوى المجتمع المدني المؤثرة. وعلى الجميع أن يفكر في كيفية إيجاد حلول مبتكرة للخلافات الدستورية الموجودة.

٥ - الحكومة وأدائها: إتسم الأداء الحكومي في الكثير منه بالضبابية والتخبط وعدم الوضوح ومفاجئة الشعب بمفاجئات غريبة، كما إتسم كذلك بالفردية، وفشل ذلك الأداء - مع أخذ تأثير التعقيدات السياسية والإمنية بالإعتبار - في إعادة الثقة داخليا ودوليا في إدارة الدولة المصرية. 

٦ - العمل على تشريع قانون إنتخابي يجتمع الكل حوله: الإنتخابات القادمة لها أهمية ودلالات عميقة، ولابد من أن يكون هناك إلتفاف عام حول القانون الإنتخابي ووجود أليات حقيقي لتفعيل القانون والتحقيق في المخالفات وردعها ومعاقبة مرتكبيها أيا كانوا.

٧ - قيام معارضة قوية: بالرغم من محاولة المعارضة أن تعمل بشكل مقرب في إطار جبهة الإنقاذ، إلا أنه تواجه العديد من الإنتقادات من حيث الأداء السياسي (على الأقل في الأونة الأخيرة) ومن حيث تواجدها على الأرض وخارج المدن، ومن حيث عدم طرحها لبدائل سياسية بشكل كافي، وعدم بلورة فكرتهم السياسية المدنية الجامعة بالشكل الكافي، لعدم وجود رؤية واضحة أو جذابة لما تريد تحقيقه.

٨ - ضمان مؤسسات دولة محايدة: لابد من وضع أليات لحسم الجدل حول ما يتعلق بمخاوف سيطرة فصيل سياسي واحد، اليوم أو غدا، يمينيا أو يساريا، على مؤسسات الدولة بما هو أكثر من المتعارف عليه في إطار الديمقراطية، بما في ذلك الأجهزة الرقابية وغيرها. والنموذج الأمريكي به الكثير من الدروس المستفادة في هذا الإطار.

٩ - التعامل مع أسباب العنف: الكثير - وليس الكل - من الممارسات العنيفة في الفترة الماضية سببها شعور بالظلم لدى البعض، وعدم وجود أي قنوات شرعية في الدولة يمكن اللجوء إليها للتعامل مع هذا الظلم بشكل حقيقي وشفاف، وعدم ثقة في مؤسسات الدولة وأشخاصها. ولطالما ظلت هذه العناصر موجودة فلن تتوقف دائرة العنف.

١٠ - إنهاء تسييس الأزهر: لعب الأزهر دورا هادئا وعاقلا في الفترة الماضية، وكان له إضافات مهمة في محاولة دفع العملية السياسية إلى الأمام. ولكن إستمرار تسييس الأزهر هو دليل على وجود خلل حقيقي قدرة الحركات والأحزاب المدنية السياسية في التعامل معا، ويعرض الأزهر عاجلا أم أجلا للدخول في مصادمات أو إشتبكات سياسية ستقوم بهز صورته أمام جزء كبير من المواطنين. ودخول الأزهر بشكل أعمق في العملية التشريعية كذلك له مشاكله الشبيهة.

١١ - تأجيل المنافسة التشريعية في بعض القضايا الأكثر جدلية: يمكن لمصر أن تدخل كمًا من الصراعات السياسية والأهلية المطولة حول بعض القضايا الإجتماعية تحديدا إذا ما حاول فصيل واحد - أيا كان - في السنوات القليلة القادمة أن يفرض رؤيته على الأخرين. ولذا، فيمكن تأجيل هذه الأنواع من القضايا الأكثر إثارة للجدل لعدة سنوات حتى يتم الإنتهاء من التعامل مع القضايا الملحة كالصحة والإقتصاد والتعليم وغيرها من القضايا التي يمكن التعامل معها بشكل أكثر سهولة، وعدم التشريع في القضايا الأكثر إثارة للجدل إلا في حالة وجود وفاق حقيقي. وفي ذات الوقت يتم فتح حوار مطول بين التيار المدني وتيار الإسلام السياسي حول الخلافات الجوهرية في الرؤي بين التيارين وكيفية الوصول لما يمكن الوصول إليه من مقترحات ترضي كلا الطرفين.

١٢ - حماية الإعلام وحرية الرأي: إستمرار وجود وزارة للإعلام وأداء الإعلام المملوك للدولة والغير محايد (وتحديدا تليفزيون الدولة وجريدة الأهرام الورقية من وجهة نظري) هما شيئان لا يمكن وجودهما في دولة تعتبر نفسها قامت بثورة. كما أن وجود تهم مثل إهانة الرئيسوغيرها من التهم التي لا توجد بهذه الصورة إلا في الدول الدكتاتورية هي أشياء غير مقبولة.

١٣ - التعامل مع التخوفات من الإقصاء والتمييز: ومنها، التعامل مع إنخفاض تمثيل المرأة سياسيا في البرلمان ومناصب الدولة وكذلك عدم تمثيل المسيحيين بشكل كافي.

١٥ - إدخال عناصر شابة في العمل السياسي: أولا، على مستوى الأحزاب والمؤسسات السياسية. وبعضها حاول ذلك بالفعل وبدأت العناصر الشبابية في إثبات نفسها داخليا، ولكن بعض تلك العناصر الشبابية وجد نفسه في أزمة وجودية بين مثالية العمل الثوري والحقوقي وبين براغماتية وحسابات السياسة المشروعة أحيانا. كما أن البعض عانى من سيطرة الجيل الأكبر بشكل أكبر مما تحتاج المؤسسة. أما ثانيا، فعلى مستوى مؤسسات الدولة والحكومة.

١٦ - إنقاذ الدولة والإقتصاد: العديد من المؤشرات الإقتصادية تعلن عن أن مصر دخلت بالفعل في مرحلة الخطر. لابد من خطة وطنية للنهوض بالإقتصاد وقطاعاته المختلفة، بما في ذلك السياحة، والإحتياطي النقدي، وقضية الدعم، والأمن المائي والغذائي، وغيرهم.

١٧ - المجتمع المدني: لن يمكن قيام دولة، وبخاصة دولة تحاول النهوض بعد ثورة، دون مجتمع مدني قوي وحيوي وشفاف. لا يزال المجتمع المدني يرزخ تحت وطأة قوانين عقيمة تعطل قيام مؤسسات جديدة شرعية الأصل والنشاط، وتشل حركة أخريات حاليات. وهناك العديد من الإنتقادات الموجهة لمشروع قانون المجتمع المدني الجديد المُقترح. وفي ذات الإطار، فهناك مسألة تقنين أوضاع جماعة الإخوان كجماعة قانونية.

١٨ - الطائفية: إنتشار الفتن الطائفية في الفترة الماضية وغياب التعامل القانوني معها على حساب التعامل العرفي هما كارثتان حقيقيتان. لابد من جهد سياسي وخطابي وفكري يواجه إنتشار الفكر التحريضي والمبني على الكراهية، ويشارك في ذلك الجهد مؤسسات سياسية ومدنية والأزهر.

١٩- تغيير مناخ الصراع من أجل البقاء: بشكل عام، وصل الحال في مصر بين القوى السياسية المختلفة إلى درجة من صراع الوجودي والصراع من أجل البقاء، وأصبح التصعيد الجسدي واللغوي والفكري مقبولا لدى كل الأطراف، وهي روشته مضمونة لفشل وإنهيار أي دولة وأي سِلم إجتماعي. لن يمكن بناء دولة أبدا على مثل هذه الحالة.

٢٠- إخماد شرارة ثورة الجياع: إن لم يجِد جديد، فميعاد إندلاع الحريق قد إقترب أكثر من أي وقت مضى.

وكل ذلك على سبيل البدء وليس الحصر.

----

ملاحظة: تم إضافة بعض النقاط للمقال بعد نشره الأول.

No comments:

Post a Comment