بعد فترة بسيطة من تنحي مبارك، كنت قد إقترحت (من ضمن أخرين بالطبع) في تدوينة صياغة وثيقة مصرية وطنية لحقوق الإنسان، مبنية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تكون إما جزئا من الدستور الجديد أو لها صفة إلزامية أخرى. و أثناء إحتدام معركة "الدستور أم الإنتخابات"، كنت أيضا أحد أول من إقترحوا أيضا فكرة لوثيقة يتم صياغتها وطنيا و تقوم الأحزاب و القوى الوطنية و حتى المرشحون السياسيون بالتصديق عليها و التعهد على إدخال بنودها في الدستور القادم. ثم ظهرت فكرة وثيقة الدكتور البرادعي و وثيقة المجلس الوطني و غيرها من الوثائق، و بدأ الحوار في أخذ شكل جدي.
و كانت فكرة الوثيقة هي صياغة مبادئ تحكم الدستور القادم، بحيث يمثل مبادئ إجماع وطني، و لا يستأثر فصيل سياسي واحد بكتابته أو يهيمن تأثيره عليه. و لكن العديد من الأمور أفسدت الفكرة. فالوثيقة تحولت الى ما يقرب حجم دستور مكتمل تقريبا، و بها مواد سيئة الصياغة و مليئة بالثغرات، و بها مواد تعطي المجلس العسكري صفة دستورية و سلطات هي لم تكن أبدا له، و تتدخل أيضا في معايير إختيار لجنة صياغة الدستور. الأسوأ أيضا ان هذه الوثيقة المراد منها أن تصدر في صورة مرسوم أو إعلان دستوري من المجلس العسكري، و ليس عن طريق الإجماع الوطني المصحوب بالتصديق لا غير، و إتخذ الموضوع صيغة الإملائية بدلا من التوافقية.
فكرة مثل هذه المواد، سواء أسميتها "حاكمة للدستور" أو "فوق دستورية" أو "مبادئ دستورية"، ليست غريبة. ففي مقال أخر لي، أوضحت كيف أن دولا عديدة و منها أمريكا أو ألمانيا و فرنسا و البوسنة و غيرها لديهم مثل هذه "المواد المترسخة" Entrenched Clauses، و في هذه الدول فقد جاء صياغتها إما عن طريق مجلس ضم ممثلين عن الشعب أو عن طريق نخبة شائت الظروف وجودها في هذا الموقف، و تم صياغتها كجزء من الدستور يختص بكونه مستحيل تعديله إلا بإسقاط الدستور ككل، أو أنه أصعب بكثير تعديله مقارنة ببقية الدستور. و تتناول هذه المواد عادة نظام الدولة و حقوق الإنسان، و تضع عادة ما تراه انه أقل ما يمكن قبوله من حقوق دون وضع سقف لها، و ترك ذلك السقف للشعوب و الأزمنة و الفكر السائد.
مشكلة مصر الأساسية تتمثل في خوف القوى السياسية الدينية/المحافظة التقليدي من دفع الدولة في إتجاه علماني محايد تماما تجاه الدين، أو إتجاه به قدرا من المعاداة للدين: و مشكلة القوى الليبرالية أو العلمانية أو المدنية هو تخوفهم التقليدي من دفع القوى السياسية المحافظة الدولة في إتجاه دولة دينية أو تقليص مساحة حقوق الإنسان. و الوثيقة الحالية ليست سيئة، إلا فيما يختص الجيش و لجنة صياغة الدستور.
هناك عدة إقتراح لم تحظى بجانب من النقاش في إطار الخلاف حول قضية المبادئ الدستورية، أعرض بعضها عليكم بدافع دفع النقاش الى الأمام فقط لا غير.
هناك عدة إقتراح لم تحظى بجانب من النقاش في إطار الخلاف حول قضية المبادئ الدستورية، أعرض بعضها عليكم بدافع دفع النقاش الى الأمام فقط لا غير.
ماذا لو تم صياغة وثيقة توافقية بين القوى السياسية لمبادئ دستورية، بحيث تنتهي صلاحيتها بعد ٥ - ١٠ سنوات"؟ هذه الوثيقة ستتكون من المواد الموجودة بالوثيقة الحالية دون المواد المثيرة للجدل، مع التركيز على نظام الدولة و حقوق الإنسان. بعد الفترة المحددة تكون الوثيقة قد إنتهت صلاحيتها و نكون قد دخلنا مرحلة تتميز بإستقرار الدولة و إتمام عملية إعادة هيكلتها، سيمكن وقتئذ التحدث بشككل أكثر هدوئا حول أي قضايا دستورية مهما كانت صعوبتها.
و يمكن أيضا إلغاء مبدأ إستحالة تعديل المبادئ الدستورية، بأن يكون هناك إمكانية مناقشة تعديل تلك المبادئ في مجلسي الشعب و الشورى أثناء سريان الوثيقة، و لكن مع كون عملية فتح باب النقاش و تمرير أي تعديلات بحاجة الى أغلبية أكبر من المعتادة (مثلا، ٧٥٪؟) حتى من الأغلبية الخاصة بمناقشة المواد الدستورية و تعديلها في مجلسي الشعب و الشورى، و ان يكون الإستفتاء على تعديلها يحتاج الى أغلبية أكبر بكثير من المعتاد أيضا. أي ان هذه المواد لن يكون من المستحيل تعديلها، و لكنها ستحتاج الى أغلبية كبيرة في كل من البرلمان و الإستفتاء، على الأقل حتى إنتهاء صلاحية الوثيقة.
و بالنسبة للصفة الإلزامية لهذه الوثيقة، فيمكن ان تكون عن طريق تصديق القوى السياسية عليها و إعتمادها، بدون تدخل رسمي من أجهزة الدولة، أي، ميثاق شرف ملزم أدبيا بين القوى السياسية. مشكلة هذه الفكرة بالطبع، أو بمعنى أدق إحدى مشكلاتها الكثيرة، هي ان الوثيقة ليس بها أي شيء ملزم قانونيا، و سيمكن للأحزاب و القوى ان تنسحب منها بناء على نتائج الإنتخابات مثلا، و أن القوى السياسية أثبت العديد منها الإنتهازية و الرغبة في القفز على مقاعد الحكم بأي ثمن. الحل الثاني، الملئ بالمشاكل أيضا و به قدرا مما لا يريح على إطلاق، هو إصدارها، بعد توافق وطني، في صورة إعلان دستوري ملزم، و لكن "مع التشديد على مبدأ التوافق الوطني و موافقة الجميع على نصوصها"، و لابد من التشديد أيضا على وجود تاريخ لنهاية صلاحيتها أو ميكنة لتعديلها أو إسقاطها بصورة خاصة. و هذا يدخلنا في نقطة أخرى.
في حالة إعتماد وثيقة ملزمة بصفة فوق-دستورية، و هو سيناريو ملئ بالمشاكل بالطبع، فلماذا لا تكون هناك ميكنة محددة أيضا لإسقاط الوثيقة ككل، بجانب مثلا إنقضاء فترة زمنية محددة؟ مثلا، الإستفتاء عليها بحد أقصى مرة في العام في حالة إصدار طلب يوافق عليه ثلثي أعضاء البرلمان؟
و يمكن أيضا، بجانب أو بخلاف الوثيقة، صياغة وثيقة مصرية لحقوق الإنسان، على ان تكون جزئا ملزما من الدستور، كما هو الحال في البوسنة، حيث أن هناك وثيقة ملزمة لحقوق الإنسان و لا يمكن تعديل الدستور لإزالتها أو تعديل نصوصها، و لابد ان تحترم كل القوانين التي يتم إستصدارها في الدولة بنود الوثيقة.
في حالة إعتماد وثيقة ملزمة بصفة فوق-دستورية، و هو سيناريو ملئ بالمشاكل بالطبع، فلماذا لا تكون هناك ميكنة محددة أيضا لإسقاط الوثيقة ككل، بجانب مثلا إنقضاء فترة زمنية محددة؟ مثلا، الإستفتاء عليها بحد أقصى مرة في العام في حالة إصدار طلب يوافق عليه ثلثي أعضاء البرلمان؟
و يمكن أيضا، بجانب أو بخلاف الوثيقة، صياغة وثيقة مصرية لحقوق الإنسان، على ان تكون جزئا ملزما من الدستور، كما هو الحال في البوسنة، حيث أن هناك وثيقة ملزمة لحقوق الإنسان و لا يمكن تعديل الدستور لإزالتها أو تعديل نصوصها، و لابد ان تحترم كل القوانين التي يتم إستصدارها في الدولة بنود الوثيقة.
و على أية حال، فأنا لست أقدم إقتراحا مكتملا أو نهائيا بقدر ما أقدم عدة أفكار مطروحة الى النقاش للخروج من النفق، و هما:
١- أن وجود وثيقة توافقية في هذه المرحلة تحديدا هو شيء مهم جدا، و خاصة في حالة عدم النضج السياسي و الإندفاع و اللامسئولية للعديد من الحركات السياسية الحالية، سواء محافظة، يسارية، قومية أو ليبرالية.
٢- فكرة الصلاحية المؤقتة للوثيقة.
٣- عدم إستحالة تعديل المواد بالضرورة إثناء فترة سريان الوثيقة، و لكن كون صعوبة تعديلها أكبر من المعتاد، و إدخال ميكنة لإسقاطها أيضا إذا لزم الأمر.
٤- فكرة وثيقة مصرية لحقوق الإنسان.
٤- فكرة وثيقة مصرية لحقوق الإنسان.
و أفتح فقط باب النقاش...
No comments:
Post a Comment