أولا: الاقتراض هو الاقتراض سواء كان ذلك من الخارج أو من الداخل ومن ثم يصبح الأمر ليس متعلقا بالجهة المقرضة و انما بشروط الاقتراض سواء كان ذلك متعلقا بسعر الفائدة و فترة السماح و المدى الزمنى للتسديد و المشروطيات و غيرها من الشروط. أى أن الأمر يخضع لعوامل موضوعية بحتة وليس قرارات عشوائية.
ثانيا: ليس هناك خطأ أو جرم فى فكرة الاقتراض ذاتها فهو أمر تقوم به كل الدول (حتى دول الخليج الغنية) ولكن الأمر يتعلق بمدى الحاجة للاقتراض (وهى واضحة فى الحالة المصرية) ومدى القدرة على سداد القروض و الى أى مدى سوف تؤثر هذه القروض على الأجيال القادمة.
ثالثا: مع مرور الوقت فان شروط الاقتراض تزداد صعوبة وذلك بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وهو ما انعكس فى تخفيض التقييم الائتما نى لمصر لعدة مرات خلال المرحلة الانتقالية من قبل مؤسسات التقييم العالمية و ما ترتب على ذلك من رفع سعر الفائدة و من ثم رفع تكلفة الاقتراض. أى أن التأخر رفع من تكلفة الاقتراض و أدى الى حتمية الاقتراض من الخارج و من الداخل أيضا.
رابعا: الاقتراض من الداخل من الممكن أن يؤثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية وذلك لأن اقتراض الحكومة يطرد الاستثمار الخاص و ذلك لأن البنوك تجد أنه من الأفضل (و خاصة فى ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية) أن تستثمر فى أذون الخزانة و السندات الحكومية بدلا من اقراض القطاع الخاص. ومن ثم نجد أن موارد الشعب المالية (متمثلة فى الودائع لدى البنوك) تستخدم لسد عجز الميزانية (دون عائد اقتصادى) بدلا من تمويل استثمارات القطاع الخاص.
خامسا: لا يجب أن يفهم أن الاقتراض من الخارج ليس له مساوىء. فالاقتراض من الخارج له مخاطر أيضا تتمثل فى نوعية و حدة المشروطيات التى قد تفرض و تقلبات سعر الصرف. فعلى سبيل المثال و خاصة فى حالة اعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولى يجب أن نتذكر أن المسئولين بالصندوق لم يذكروا صراحة عدم فرض مشروطيات و انما ذكروا أنهم فى انتظار رد الحكومة المصرية بشأن برنامج الاصلاح الذى تعده الحكومة المصرية لمراجعته. و هى طريقة مهذبة تعنى أنه سوف تكون هناك مشروطيات تعدها الحكومة بنفسها (على غرار بيدى و ليس بيد عمرو). ولكن حقيقة الأمر اننا بحاجة الى مشروطيات لانه فى حالة انعدامها لن نقوم بالاصلاح. ولكن تبقى المخاطر المتعلقة بسعر الصرف و احتماليات تخفيض قيمة العملة بسبب التدهور السريع و الكبير لاحتياطى النقد الأجنبى قائمة.
سادسا: مشكلة الدين فى مصر (حتى من قبل ثورة 25 يناير) لم تكن ارتفاع الدين العام كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى و انما ارتفاع نسبة الدين الداخلى مقارنة بنسبة الدين الخارجى. فعلى سبيل المثال بلغت نسبة دين الحكومة المركزية للناتج المحلى الاجمالى 79% فى عام 2009 وهى أقل من مثيلاتها فى اليابان والنمسا حيث بلغت النسبة 174% و 90% فى البلدين على التوالى. و من ثم فان المشكلة لا تكمن على الاطلاق فى حجم الدين بشكل مطلق أو كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى و انما الأمر يتعلق بالقدرة على السداد و هو ما يختلف فى حالة كل دولة وفقا للعديد من العوامل تتعلق بشروط القروض من جانب و بقدرات الدولة المدينة سواء الانتاجية أو التصديرية من جانب آخر.
و فى الخاتمة هناك العديد من الرسائل التى يجب التركيز عليها:
- الاقتصاد لا يجب أن يدار من قبل غير متخصصين فهو مهنة قائمة فى حد ذاتها و له علم قائم بذاته له خصوصيته و أموره الفنية المعقدة. هذا لا يعنى عدم أخذ الظروف السياسية فى الحسبان و انما يجب أن يبنى السياسيون و متخذى القرارات فى مصر قراراتهم على أسس علمية سليمة.
- الاقتراض من الخارج ليس خطأ طالما أن الخطرين المحتملين (المشروطيات و سعر الصرف) قد تم أخذهما فى الحسبان.
- المشروطيات ليس بالضرورة أن تكون شىء سيء.
- التأخر فى اتخاذ قرار الاقتراض من الخارج ترتب عليه ارتفاع كلفة الاقتراض و غالبا ما يصاحب ذلك من مشروطيات أكثر شدة.
- و أخيرا فقد بلغ عجز الميزانية 30 مليار دولار و ما يتم التفاوض على اقتراضه من الصندوق هو 3ز2 مليار دولار. أى أننا قد نضطر الى المزيد من الاقتراض و هو ما يتطلب التعامل مستقبلا بشكل أكثر موضوعية.
No comments:
Post a Comment