Friday, 19 August 2011

"انا تعبت و زهقت من الكلام في السياسة"





بعد ان كانت حواراتنا كلها وقت حتى شهر مارس أو ابريل تتمحور حول السياسة و مستقبل الوطن و ما يمكن ان يحدث أو يمكن فعله، عادت ببطئ مواضيعنا القديمة و العادية للسيطرة على اغلب وقتنا و مناقشاتنا، مثل الكرة و الأزياء و التحدث عن الغير (عادة بالسوء) في السر، و تحول مثلا اغلب ما كان يوضع في الفيسبوك من مقالات الكتاب السياسيين و المفكرين و الخبراء و الصحفيين و الاخبار الى ما عهدناه من صور "للدبدوب" الذي اشتراه هيثم لسهى، و كم كان عيد ميلاد مودي مشوقا (و خاصة بحضور هيثم و سهى، حيث لم يتوقع احدا حضورهما بصراحة)، و غيرها من الاشياء التي كنا تقريبا لا نفعل غيرها حتى ما قبل ثورتي تونس و مصر.

قبل ان استمر في الكتابة، أريد ان أوضح أنني لا أهاجم الترفيه عن النفس، فبدون الترفيه عن النفس سنموت. نحن في حاجة الى عيد ميلاد مودي، و الى التحدث عن هيثم و سهى و دبدوبهما، و عن احدث خطوط الموضة، و عن الاغاني الجديدة، و عن اذا كان سيستطيع برادلي قيادة منتخب مصر الى كأس العالم، و عن غيرها من الامور اليومية الطبيعية التي نتنفس عن طريقها حتى لا نسقط من الإجهاد النفسي و العصبي. فنحن في بلاد في مفترق طرق، و إقتصادنا في حالة حرجة، و نعيش حالة من القلق و التخوف داخليا و خارجيا على اكثر من صعيد، و العالم من حولنا ينتفض و منه ما يحترق، و الاخبار تمتلئ بالموتى و الضحايا و التهديدات المستمرة، و تمتلئ أيضا بأخبار تفقدنا الثقة في سياسينا و قوانا السياسية كافة. و حتى و لو أن مصر و تونس و العالم لا يوجد بهم أي شيئا يثير الضيق، فالحياة نفسها، سواء الشخصية و العملية و العائلية، مليئة بما قد يثير الإحباط و الإرهاق. نحن بحاجة الى ما يرفه عنا و ينقذنا من الإختناق.

و مع ذلك، فماذا لو جائك خبرا في أحد تلك الأيام أن منزلك قد يكون آيل للسقوط، أو انك (و العياذ بالله) مريضا؟ هل يمكن ان تتجاهل هذه الاخبار؟ هل يمكن ان تسد اذنيك و ان تستمر في حياتك بصورة عادية، حتى يحدث (ربما) ما لا يحمد عقباه؟

هذه هو وضعنا كلنا الآن. فبلدك هي ذلك الجسد الذي ما زال يعاني من المرض، و هي أيضا ذلك المبنى الذي مازالت تعاني أساساته من الضعف و التخوخ. و في هذه اللحظة، يتنافس سياسيون، كلهم يحبون بلادهم بلا شك و إن إختلفوا أحيانا بصورة جذرية في الرؤى، على تحديد شكل و مستقبل البلاد في مرحلة ما بعد الثورة. الآن، و انت مغلق عيناك و أذناك بإختيارك، سواء أن كنت رجلا أو إمرأة، ناضجا أو يافعا، وحيدا أو تعول، يمينيا أو يساريا أو غير منتميا، فهناك ناسا لا تمت لك بصلة تحدد مستقبلك انت و أهلك و أصدقائك و أسرتك، و يتنافسون في هذه اللحظة في تحديد ما ستكون حرياتك و حقوقك كإنسان. هناك من يتنافسون حول كيف سيدار الاقتصاد الذي تكسب قوتك أنت و من يهمك منه؛ هناك من يتنافسون حول كيف ستكون سياسات التعليم التي تؤثر عليك و/أو ستأثر على أبنائك و من يهمونك؛ هناك من يتنافسون حول مستقبل الرعاية الصحية في البلاد و كيف ستعالج انت أو من يهمك إذا مرضت؛ هناك من يتنافسون حول مستقبل الطرق و الإزدحام على مستوى الشوارع و المدن و البلد نفسها؛ هناك من يتنافسون حول ماذا ستزرعه لك بلادك لكي تأكله و ماذا سنستورده إذا كان من الافضل و ما هي السياسيات الغذائية و الزراعية العامة؛ و هناك من يتنافسون حول كل ما غير ذلك مما يمكن أن يؤثر على حياتك انت كإنسان، و على حياة من يهمونك.

نعم، كلنا نقول "أنا زهقت و تعبت من الكلام في السياسة"، و لكن ما البديل؟ الدكتور البرادعي، سواء أحببته أو أيدته أو عكس ذلك، قال في أحد المرات: "إذا لم تشارك اليوم فلا تشتكي غدا." و هذه هي الحقيقة المُرة. إذا لم تقرأ ما يحدث، إذا لم تشارك برأيك أو أسئلتك أو فقط بالإستماع الإيجابي، و إذا لم يكن لك دورا و لو كان بسيطا، فأنت تسّلم بذلك مستقبلك و مستقبل من تهتم لأمرهم الى آخرين، قد يكون عليك ان تتقبل ما يقررونه لك، مهما كان مُراً.


 و لا يهم في هذه النقطة إذا كنت مع الثورة أو ضدها، فلا وقت لذلك الآن بتاتا...

و أعرف ان العديد ممن نحاول الحوار أو العمل معهم هم سليطي اللسان، و منهم من يتهمك بالغباء او الكفر او التآمر أو غيرها من التهم السخيفة، و لكن لا ليس بيدك سوى الإستمرار. قد تلتمس العذر للحماسة البعض منهم و تتفهمه، قد تنجح في تغيير بعضا منهم أيضا، و قد لا يكون بيديك سوى التعايش مع البعض الآخر.

و لكن، بالله عليك، لا تسكت دهرا و تنطق قرفاً، و لا تجعل الناس تتحسر على أيام سكوتك. لا تعتقد في يوما من الأيام انك انت شخصيا أو أيا ممن تستمع اليهم على دراية مطلقة بالحقيقة، و لا تلتزم بفكر فريق محدد في كل شيء و ترى ان كل من هو خارج ذلك الفريق هو شخص غبي أو جاهل أو خائن، و لا تحاول ان تقوم بدور سعد زغلول باشا زعيم الأمة، على الاقل منذ اليوم الأول. و عليك ان تعرف ان "لا أعلم" أو "لا يمكن المعرفة بوضوح" هي أراء محترمة و حقيقية مثلها مثل أي إختيار آخر، و كثيرا ما تكون هي الأصوب. المهم هو ان "تحاول دائما" ان يكون لك رأيا، بما في ذلك أن يكون رأيك هو عدم وضوح الرؤية. لو كانت الحقيقة سهلة دائما، لما إختلفت الناس أبدا.

الإنسان سيموت بلا ترفيه، و لكن من يترك مصيره في يد الغير فهو قد مات منذ الآن.

فلتمسك بتلك الجريدة و لتلحق بما فاتك، فكلنا بحاجة اليك...

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر Twitter اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل. و ارحب بتعليقاتكم و سأرد عليها. بالإمكان ايضا متابعة المدونة بالضغط على Follow بالأعلى. بإمكانك وضع رابط بمنتهى السهولة لهذه التدوينة على الفيسبوك الخاص بكم عن طريق ضغط زر LIKE الازرق.


No comments:

Post a Comment