الافطار قبل ان تم فضه (المصدر: الشروق)
لا نختلف على ان هناك حالة المعاداة في الشارع المصري حاليا لكل اشكال العمل الثوري. فالشعب هلل عند فض الاعتصام بالقوة في أول رمضان، و هللوا ايضا في سعادة بالتدخل العنيف لفض الإفطار الرمضاني لبعض الشباب الثوري في ميدان التحرير. و للأسف فأغلب الشعب (فيما بدا لي) كان معاديا لإعتصام ٨ يوليو، بالرغم من سعادته الجمه لأغلب ما تحقق بسببه! و تكررت الاسباب دائما لهذه المشاعر السلبية و المعادية، مثل المعلومات الخاطئة و الإشاعات المغرضة و ما آمن البعض بأنها اخطاء الثوار/المعتصمين/المتظاهرين نفسهم. و هذا بالإضافة الى وجود قطاع ضخم من الشعب لم يكن مع الثورة من حيث الاساس، و زادتهم محاكمة مبارك و تعاطفهم الشخصي معه معاداة لها، كما هزت صورة مبارك على سرير المرض وراء القضبان مشاعر البعض بصورة واضحة، و اثارت لديهم حالة من التلخبط الشخصي. و لي مقالة طويلة عن اسبابا فقدان الثورة (أو الثوار) لبعض التأييد من قبل الناس، و مقالة اخرى عن بعض ما اعتقدت/اعتقد انه يجب ان نفعل في الفترة القادمة، و بالتالي لن ادخل في هذه القضية الآن. و لكن ما اريد قوله هو الآتي:
اذا اردنا انا نستعيد تأييد الشارع للعمل الثوري، فعلينا البدء مرة أخرى للأسف جزئيا من البداية، و اعادة الإجابة للناس على هذا السؤال: لماذا كان لابد من قيام الثورة؟
فالشعب المصري لم يتعود حالة التخبط و عدم الاستقرار التي نمر بها الآن. الحال فعلا صعبة بصورة شديدة من الناحية الاقتصادية (هذا واقع)، و الحكومة الحالية متخبطة بصورة ربما لم تحدث في تاريخ مصر، حيث لا يوجد لها رؤية واضحة و ليس لها القدرة على التحرك بصورة مستقلة او حتى التعليق بحرية عن اسباب عدم تحركها في العديد من المطالب. كما انه قد عودت الانظمة الحاكمة المصرية الشعب منذ الدولة الفرعونية على الاستقرار و الهدوء المبالغ فيه و لو كان ذلك على حساب اشياء أخرى كثيرة، مثل النمو الاقتصادي و الشفافية في الحكم و حقوق الانسان، و تصوير كل الأمور السياسية بصيغتي الابيض او الاسود، و كانت رؤية النظام الحاكم بالطبع هي ما يمثل الابيض دائما. و غير ذلك، فلم يتعود الشعب الاهتمام او المشاركة المباشرة في السياسة من قبل، بإستثناء التعليق الشخصي على الاحداث، بينما الآن المواطن المصري مطالب ان يكون له موقف من كافة القضايا و ان يصوت لما يعتقد انه الافضل، و في هذا ضغطا نفسيا جديدا لم يتعود المصرييون عليه من قبل. و في ظل عدم الوضوح الحالي في أي من شئون الدولة (سواء اقتصاديا او سياسيا)، فالعديد الآن بدئوا يتندمون على قيام الثورة من حيث الاساس و يتسائلون اذا كانت فعلا لابد منها، و هذه كارثة بكل المقاييس (من أسوأ ما شهدت شخصيا هو قيام البعض حديثا أو بصفة عامة و بصورة متعمدة، مع انهم ليسو بكثرة حتى الآن، في الإشارة الى "شهداء الثورة" ب"قتلى الثورة" بصورة مستمرة)، و خاصة اذا قارناها بالروح الايجابية و الحماسية التي سادت بعد سقوط نظام مبارك.
و بالتالي، فأول خطوة اذا لإستعادة ثقة المواطن المصري في الثورة و ارتباطه النفسي الشخصي بها هي تذكرته بأسبابا قيامها و لماذا لم يكن هناك بديل لها، و لماذا اتخذت الثورة مجراها الذي عرفناه و لم تتراجع في منتصف الطريق و ترضى بالحلول الوسطى. يجب ان يفهم الناس ان ما نحن فيه الآن هو نتاج بالدرجة الأولى لما فعله النظام السابق و العديد اخطاء الحكومة الحالية (او النظام ككل) ايضا، و عليهم ان يفهموا كم كان ما يفعله النظام السابق هو خلق كارثة تلو الاخرى تلو الاخرى، سواء في الحكم أو في ايام الثورة. نعم، يحزنني الاعتراف بتنامي تلك الظاهرة، و لكن لابد من التصدي لها و التعامل معها.
اما غير ذلك، فهناك بالطبع خطوات عديدة اغلبهما متفق عليه و اصبح معروفا للجميع، و اكرر بعضها هنا من باب التذكرة، مثل: فتح قنوات اتصال جديدة اكثر حيادية في تناولها للتواصل مع الناس و التحدث مع الناس مباشرة، مواجهة عدم مهنية و التحيز الواضح في الاعلام المصري الرسمي، كشف العديد من المخاوف و الاكاذيب و المفاهيم الخاطئة عند الناس على حقيقتها (فيما يتعلق بالإعتصامات و تأثيرها على الاقتصاد و غيرها من مبالغات البعض)، ظهور وجوه تستطيع ان تتحدث بإسم أي مظاهرات او اعتصامات لاحقة (و حبذا لو استطاعت هذه الوجوه ايضا اعادة تقديم و شرح اسباب و احداث و فعاليات و نتائج اعتصام ٨ يوليو للناس مرة أخرى)، توحيد المطالب على قدر الامكان بين المجموعات التي تمثل الثوار، تقديم هذه المطالب في صور جاهزة للتنفيذ الفوري (مثلا: بدلا من استخدام المصطلح العام "تطهير القضاء"، لماذا لا تعمل مجموعة من المحاميين المنتميين للتيار الثوري على كتابة مشروع كامل لما يؤمنون انها الخطوات اللازمة لتحقيق هذا التطهير، مما سيعطي قوة و وضوحا اكثر للمطلب؟)، عدم اعطاء فرصة لجر الثوار على رغما عنهم الى مواجهات عنيفة بلا هدف و خاصة مع العناصر الامنية، عدم الإستهزاء بمخاوف الناس والتزام الصبر في التعامل مع الغير، وغيرها من الأمور التي (بدأ أن يكون) هناك عليها اتفاقا من قبل ممثلي الحركة الثورية.
كل ما اردت قوله في هذه المقالة هو انه لابد لإعادة تقديم الثورة نفسها و أيضا إعادة إفهام بعض الناس لماذا كان لابد منها، و كيف لم يترك النظام السابق نفسه فرصة كي تثق به الناس، و انه هو من اضاع نفسه بنفسه بما قام به اثناء الثورة و طوال فترة حكمة من قتل و تعذيب، و اعتقال و فساد، و سرقة خيرات الوطن او التغاضي عمن يدمرون البلاد، و قمع المعارضة و قتل الحريات العامة و الشخصية و السياسية، و الخسف بمكانة مصر الدولية سياسيا و اقتصاديا.
يجب تذكرة الجميع إننا جميعا في منتصف الطريق، و انه لن يفيد احدا الرجوع الى الخلف الآن.
يجب تذكرة الجميع إننا جميعا في منتصف الطريق، و انه لن يفيد احدا الرجوع الى الخلف الآن.
----
إضافة: فكرة اخرى لماذا لا يتم عمل وثائقي او برنامج او اعلان او ما شابه، يقدم للناس بعض الوجوه التي تشارك في الاعتصامات و التظاهرات بصورة مستمرة، و اظهار حقيقة وجود عائلات كاملة و رجال و شخصيات عاملة و ناجحة و ذات دخول مادية مختلفة و غيرهم، لمحاربة الفكرة السائدة الآن ان من يعتصمون إما انهم "بلطجية" أو "ناس ما وراهاش شغلة ولا مشغلة!"؟
---------------
ملحوظة: اذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.
اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل. و ارحب بتعليقاتكم و سأرد عليها.
No comments:
Post a Comment