كنت في منزل أحد الأصدقاء، و كان أبوه يتابع برنامجا على إحدى القنوات، و إذا بتقرير عن الفقر في مصر يأتي مباشرة بعد إنتهاء البرنامج الترفيهي الأول. فقام الأب بتغيير القناة في لحظتها، الى ان عثر على برنامج غنائي و قرر ان يتابعه.
و اليوم الذي بعده كنت أزور أحد الأقرباء، و قرر ان يفتح التليفزيون و ان يرى ما به، و كانت أول قناة فتحها تعرض تقريرا عن تاريخ التعذيب في مصر، فقام بتغيير القناة فورا، الى ان عثر على برنامج غنائي أيضا.
و في نفس ذلك اليوم، عدت الى مكتبي و كنت جالسا مع زميل، و فتحنا التليفزيون في وقت فراغ كنا ننتظر فيه ملفا سيصلنا، و إذا بإحدى القنوات كانت تقدم إعلانا لفيلم كوميدي، فقرر صديقي ان يتابعه. و فور إنتهاء الإعلان، كان هناك إعلانا عن فيلما وثائقيا عن الفساد الإقتصادي في عصر مبارك، فقام بتغيير القناة فورا، الى ان عثر على برنامج غنائي. كان إعادة البرنامج الغنائي الذي تحدثت عنه في الفقرة الأولى.
و كل يوم أرى من حول يقفز قفزة خاطفة من صفحة الجريدة الأولى الى منتصف الجريدة، تاركا أخبار العنف و الفساد و الصراع من أجل الديمقراطية و الإقتصاد و حقوق الإنسان و كل ما يحدد حياته من أمور تارة مجهدة، و تارة مبكية، و تارة مغضبة، و تارة مضحكة، و تارة مملة، تاركا بذلك مستقبله في يد الآخرين ممن لا يعرف من الناس على الأرجح، لينهمك في أخبار الرياضة و الفن فقط، و لتثور ثائرته على صفقة بيع أحد لاعبي النادي الأهلي، و يتصل كمواطن صالح بقناة الرياضة ليعلن رأيه و عدم قدرته السكوت على هذا الخطأ الشنيع.
و كل يوم أرى من حول يقفز قفزة خاطفة من صفحة الجريدة الأولى الى منتصف الجريدة، تاركا أخبار العنف و الفساد و الصراع من أجل الديمقراطية و الإقتصاد و حقوق الإنسان و كل ما يحدد حياته من أمور تارة مجهدة، و تارة مبكية، و تارة مغضبة، و تارة مضحكة، و تارة مملة، تاركا بذلك مستقبله في يد الآخرين ممن لا يعرف من الناس على الأرجح، لينهمك في أخبار الرياضة و الفن فقط، و لتثور ثائرته على صفقة بيع أحد لاعبي النادي الأهلي، و يتصل كمواطن صالح بقناة الرياضة ليعلن رأيه و عدم قدرته السكوت على هذا الخطأ الشنيع.
و يستمر ذلك...
الجميع يتهرب...
كلنا مرهقون، و العالم صعب شديد الصعوبة، و نكاد لا نتحمل ما يزيد أعبائنا...
و لكن، الى متى سنتهرب؟ الى متى سنظل معتقدين اننا في إستطاعتنا إخفاء أنفسنا مما يحدث حولنا؟ الى متى سنختار "عدم المعرفة" بيدينا؟
ألا تستطيع ان تنتظر، ولو خمسة ثواني فقط، قبل تغيير القناة، قبل ترك صفحة الجريدة أو المقالة التي أضاقت أخبارها بصدرك؟
فقط خمسة ثواني...
الى متى سنعتقد انه لن يأتي أبدا يوم نكون نحن من تُعرض أزمته أو أزمة تمسّه على مرأى و مسمع من الناس، و نكون بحاجة بشدة الى تكاتفهم معنا، الى ان يقوم مشاهد أخر بتجاهلنا و تغيير القناة بحثا عن برنامج غنائي، أو قارئ يغير الصفحة بحثا عن نتيجة مباراة هو يعرفها بالفعل، و نُنسى نحن أيضا في زحام الحياة؟
ألا نختار ان نرى كل شيئ بأنفسنا، فنحزن أو نغضب و نثور و نبكي و ننتفض و ننهار حتى نُستفز للتغيير، فلا يصير هنالك في أحد الأيام من عمرنا ما يضطرنا يوما الى تغيير القناة أو الصفحة بالأساس... بعيدا عن الملل مما أمامنا، ربما؟
قبل ان تغير القناة أو الصفحة أو يغيرها من حولك، أفلا تشاهد و تقرأ أول خمسة ثواني أو خمسة كلمات مما لا تريد معرفته، و ترجو ذلك ممن معك أيضا. مجرد خمسة ثواني...؟
خمسة...
لا تختار بنفسك ألا تعرف...
لا تختار ان تترك حياتك بيد الأخرين ممن إختاروا أو إضطروا ان يعرفوا...
No comments:
Post a Comment