Tuesday, 31 May 2011

هل سينسحب البرادعي من السباق في نهاية الامر؟


اثناء الانتخابات الرئاسية التي جمعت جورج بوش ضد آل جور في الولايات المتحدة، لام العديد رالف نادر على استمراره في السباق حتى النهاية ضد آل جور. فلقد كان جور اقرب الى رالف نادر فكريا، و كانت الاصوات التي ستذهب الى نادر كانت ستأتي على الارجح ممن قد ينتخبون جور. و فعلا، و بالاضافة الى شبهات التلاعب بالاصوات في فلوريدا (حاكم الولاية كان جيب بوش، و هو أخ جورج بوش)، خسر جور اصوات عديدة لصالح نادر و خسر الانتخابات الحاسمة في تلك الولاية لصالح بوش ب٥٣٧ صوتا، كانوا هم الفارق بين الفوز و الهزيمة، و خسر اليسار الامريكي ككل نتيجة هذا الصدام.

و في حتى هذه المرحلة في مصر بعد الثورة، لا يوجد واحد مرشح جذاب و موحد للجناح المدني المصري. فعمرو موسى هو المرشح الاوفر حظا و يتقدم بمراحل على كافة الآخرين، و ذلك يعكس بصورة واضحة رغبة الناس في قائد "ذو خبرة" يستطيع "قيادة" البلد اثناء حالة "الضياع و الفوضى" التي تمر بيها البلاد، على حد وصف البعض، قائد "يستطيع امساك الدفة من اليوم الأول" و يعرف "أسرار الحكم" (و يذكرني ذلك بالانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، عندما كانت هيلاري كلينتون و آخرون يقولون أن أوباما لن يصلح رئيسا لأنه "لن يستطيع الحكم من أول يوم و سيكون عليه التعلم بعض الوقت"، على عكس هيلاري كلينتون مثلا حسب زعمها) مع الاعتراف بوجود شعبية قديمة لموسى ايضا منذ فترة رئاسته لوزارة الخارجية المصرية و تكوينه شهرة انه "تحدى مبارك كثيرا" و "لم يخاف الصياح بوجه اسرائيل بينما قد سكت صوت مبارك شخصيا" في اغلب الوقت، على حد الوصف. فتلك التركيبة تعطي الناخب المصري إمكانية الشعور بالثقة في موسى كقائد، مع شعوره انه لم يخن الثورة بإختياره وجها دان بالولاء التام للنظام القديم. و اذا تجاهلنا د. محمد سليم العوا و د. عبد المنعم ابو الفتوح على اساس انهم اكثر جاذبية للتيار الديني بأطيافه، فسيترك ذلك محمد البرادعي لمنافسة موسى على اصوات التيار المدني. 



موسى و البرادعي (عن جريدة الشروق)

و تشير ما رأيت من استطلاعات الرأي الواسعة (و ليست استطلاعات الآراء على الانترنت) ان البرادعي لن يتعدى بأي حال من الاحوال ١٠٪ من الاصوات اذا كانت الانتخابات اليوم (و في ذلك قدر من المبالغة من جانبي)، و اشار استطلاع لمؤسسة السلام الدولية في يونيو انه لن يحصل على اكثر من ٢٪ من الاصوات، مقارنة ب٣٢٪ في نفس الاستطلاع (و الذي ضم عصام شرف و المشير طنطاوي في القائمة و حصلوا فيه على ١٦٪ و ٨٪ بالترتيب، و هم شخصيات قوية و معروفة و لها تاريخ من العمل العام و تعبر عن الاستقرار من وجهة نظر الناخب، و على الارجح ان تذهب اصوات ناخبيهم لموسى). و طبعا، تغيرت الخريطة بدخول مرشحين جدد منذ ذلك الوقت، و لكن من الواضح انه لا يزال موسى هو المرشح الوحيد ذو فرصة حقيقية للفوز بين المرشحين الاقرب الى الجناح المدني.

فما زال البرادعي يعاني من نتيجة حملة التشويه القاسية التي تعرض لها على يد النظام السابق، و ما زالت مساحة واسعة من الشعب لا تثق به و تراه على انه "عميل" و "لا ديني" و "ساعد الامريكان على دخول العراق" و انه "قضى اغلب عمره اغلب عمره خارج مصر و لا يفهم شيئا عن طبيعتها و اسلوب حكمها" (عمرو موسى صرح مؤخرا انه "افضل من البرادعي لأنه عاش في مصر اغلب عمره"، في اشارة الى بدء المنافسة بين الرجلين) و غيرها من الاتهامات الشهيرة. و حتى من لا يرتاب منه يراه كشخص غير كاريزمي و ذو طابع اكاديمي، شخصا قد يصلح رئيسا للوزراء في افضل الاحوال . و مع ذلك،  فالبرادعي هو حتى الآن المرشح الاول للنخبة النشطة و للشباب الليبرالي، و يمثل لهم رمز للسياسي الذي قد يقود تغيير و انفتاح حقيقيين في مصر (و احدى اهم اسباب ذلك: قضائه حياته بالخارج و عدم اختلاطه بقذارة السياسة المصرية، و في ذلك قدر مما يثير السخرية)، و اتضح ذلك في إكتساحة لإستطلاع المجلس الاعلى على فيسبوك، بحصوله على ما يقرب من ٦٩ الف صوت يمثلوا ٢٥٪ من الاصوات مقارنة بحوالي ٨ الاف صوتا لموسى يمثلوا ٥٪ من المجموع و يضعوه في المركز السابع (وصف موسى النتائج بأنها "طريفة")، بينما يقع فيما بينهما مرشحون مثل سليم العوا، ايمن نور، عمر سليمان، احمد شفيق و حتى حازم صلاح ابو اسماعيل. و مع ذلك، فأعلى الاحصائيات تشير الى عدد مستخدمي فيسبوك في مصر لا يتجاوز ٨ مليون شخص، و هو اقل من ١٠٪ من عدد السكان، و من شاركوا في الاستفتاء لم يتعدوا الربع مليون مشترك.


إلا انه، بإفتراض ان نظرة الناس له لم تتغير مع الوقت، فربما تكون الاصوات التي قد يحصل عليها تكون هي الفارق بين الهزيمة و الفوز لعمرو موسى او اي مرشح آخر في طليعة تمثيل التيار المدني. فالواقع، فيما يبدو، انه اذا لم تتغير المعادلة الانتخابية قبيل الانتخابات، فربما قد يكون من الضروري إنسحاب البرادعي قبل نهاية السباق بقليل لتقليل فرصة انقسام و سقوط التيار المدني، على الاقل بعد التأكد من مدى استحالة فوزه في وقتها (المفاجئات في السياسة شيء طبيعي)، و بعد إضافة صوته الى المناقشات و الجدالات بين المرشحين، و التي ستؤثر على عقلية الناخب المصري و على مستوى الجدال بين المرشحين و مواقفهم و وعودهم الانتخابية بصورة جيدة . و العديد من المرشحين يدخلون السباق الرئاسي في دول حول العالم لهذا السبب فقط: مناقشة و قول ما لا يجرؤ الآخرون على مناقشته و قوله، و التأكد من ان السباق الرئاسي يمثل نقاش حقيقي حول ما يهم الأمة، و ربما ايضا المساهمة ففي تغيير و تطوير بعض الآراء في الشارع المصري، و ليس فقط تمثيلية سياسية بلا اي إضافة فكرية حقيقية للمجتمع (احدى اسباب شعبية البرادعي بين النشطاء انه اكثر صراحة في آرائه و في قربه من الليبرالية من موسى و الآخرين).




 آخر ظهور للبرادعي اعلاميا مع الداعية عمرو خالد في برنامجه على التليفيزيون المصري، و قد صاحب الحدث ضجة لمنع البرادعي من دخول مبنى التليفزيون و الغاء الحلقة بدون سبب، ثم اعادتها بعد ضغط الجماهير مع اضطرارهم لتسجيل الحلقة في استوديو خارج ماسبيرو

هل يستطيع البرادعي تغيير وجهة نظر المصريين فيه؟ حتى و إن كانت الاجابة نعم، فلن يكون ذلك سهلا على الاطلاق. فالمصريون شعبا يتمسك بآرائه و لا يغيرها بسهولة، بدليل استمرار مساحة شاسعة من الشعب المصري في ايجاد اعذار لمبارك حتى الآن و التعاطف معه بالرغم من توالى المعلومات عن الفساد السياسي و الاقتصادي و الاداري اثناء فترة رئاسته، و ما زال اغلب الشعب غير مستريحا (في افضل الظروف) للبرادعي بالرغم من ظهوره المتكرر في الإعلام لتكذيب ما قيل عنه و لتحسين صورته. اذا اراد البرادعي ان تكون له حتى فرصة المنافسة، فعليه ان يبدأ بتأكيد جديته في المنافسة على المنصب و ألا يظل باديا عليه عدم الاهتمام الحقيقي بالسباق الرئيسي، كما ينتقده البعض. سيكون عليه اعادة مواجهة التهم المنسوبة اليه امام المجتمع بصورة مركزة و واضحة، و تقديم نفسه كبطل معارضة الحرب على العراق و كصاحب مشروع متكامل للدولة المصرية في هذه المرحلة، و كقائد حقيقي يستطيع قيادة هذا المشروع. المشكلة الرئيسية امام تحقيق النقطة الاخيرة انه سيكون عليه اكتساب شيئا مهم بدرجة لا يمكن الاستهانة بها من اجل قيادة الشعب المصري و اكتساب صوته: كاريزمة.

و لكن كل شيء جائز. و ما زال أمام البرادعي بعض من الوقت لمحاولة قلب الموازين لصالحة. أما اذا لم ينجح في ذلك، فلا اعتقد انه سيريد ان يكون رالف نادر الانتخابات المصرية القادمة.

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Join This Site With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل. و ارحب بتعليقاتكم و سأرد عليها.

No comments:

Post a Comment