Sunday 24 July 2011

لابد من قيادة للثورة، و لابد من مخاطبة المواطن المصري


ملخص: تجادل المقالة بأهمية العودة الى التواصل مع الشعب بعد ان إنقلب العديد من افراده إما ضد الثورة او المعتصمين. كما ادعو الى اهمية تشكيل مجلس يمثل الثورة و مطالبها أمام الشعب، تسهيلا للتواصل و التفاعل بين الشعب و الثورة، و لإعطاء قوة و دفعة اكبر للمطالب الرئيسية للثورة. انا لا اعلق هنا على الاحداث نفسها او ماذا حدث، و لكنني اريد التركيز على قضية علاقة الشارع المصري بالثورة، في ظل احداث العباسية.
--------------------------


اكتب الآن بعد عودتي لتوي من ميدان التحرير بعد احداث العباسية في يوم ٢٣ يوليو، و التي اصيب فيها اكثر من ٢٣٠ متظاهر بحسب مصادر الاعلام. و اتذكر جيدا بعض الجدل حول المظاهرة او المسيرة من حيث المبدأ. فالبعض حذر ان الشارع المصري لا يرى بنفس الصورة طبيعة التظاهرات الحالية و هناك ايضا من يحاول متعمدا تشويه صورة المتظاهرين امام الشعب و عدم نقل مطالبهم بصورة واضحة. و حذر البعض انها ستكون فرصة ذهبية لتكرار سيناريو احداث ٢٨ يونيو، و إشعال معركة مجهولة السبب او البداية بين العناصر الامنية و المتظاهرون. و البعض حذر من عدم امكان المتظاهرون التحكم في كل عناصرهم بالطبع. و البعض حذر، و هذا ربما هو الاهم، من غضب الناس و نزول الاهالي من المناطق القريبة من مسيرة التظاهرة للاشتباك معها.


احداث العباسية - المصري اليوم

و الواقع ان العديد روى لي أن الكثير من الاهالي (هذا بجانب البلطجية) كانوا في حالة من الترقب و التحفز ضد المتظاهرين، و أكد لي البعض ان كان هناك أهالي بالفعل بين من اشتبكوا مع المتظاهرين، و أن البعض قال لهم: "انتوا فاكرين اننا هنسيبكو تخربوا البلد و تولعوا في مقر وزارة الدفاع!؟" وغيرها من الهتافات الشبيهة، و التي توحي ان عدد ضخم من الناس كان على اقتناع تام بأن المسيرة هدفها الاصلي كان عنيفا، و هو لم يكن صحيحا، و المطالب الاربعة للتظاهرة معروفة تماما و لا شيء فيها او عليها. و كانت اللحظة الاسوأ عندما سمعت سيدة كانت من مؤيدي الثورة و هي تقول: "يا ريت حد يخلص عليهم! ده الواحد بيتندم على ايام مبارك!"

و اريد ان عود الى قبل ذلك قليلا...

فبينما كان الناشطون على تويتر يهاجمون بياني الجيش ٦٩ و ٧٠، حصلا البيانان على آلاف ال "LIKE"  في ظرف ساعات، و هو مدهش ايضا نظرا لصدورهم بعد منتصف الليل، و كانت العديد من التعليقات تؤكد تأييد كمية كبيرة من الناس لهذه التصريحات و لمبدأ الحزم مع المتظاهرين. و في صباح ٢٣ يوليو، كانت ايضا الغالبية الساحقة ممن قابلت في الشارع او تحدثت معهم مؤيدين لبيانات الجيش و يؤكدون على اهمية "سرعة التعامل الحازم مع 'بلطجية و عيال' التحرير." ثم ظهرت صفحة مليونية ٢٩ يوليو المضادة، و الصفحة ايضا مليئة بالغضب و الحشد النفسي ضد المعتصمين. و قبل ذلك، فخرج علينا رئيس حزب الوفد السيد البدوي بتصريح يتهم فيه معتصمي التحرير بالإنتهازية و اثارة الفتنة، و إمتلأت التعليقات بعبارات المديح "للرجل الذي لا يخاف قول الحق". و يمتلئ موقع الاخوان المسلمين بمقالات اخبارية مكتوبة بلهجة مثيرة للغضب ضد المتظاهرين (تم رفع بعضها و تعديل بعضها الآخر) و امتلأت التعليقات بالشكر و المديح للكُتّاب، و بالسباب و الانتقاد للمتظاهرين. و هلل الغالبية الواضحة ممن اعرف لتصريح اللواء محسن الفنجري، نفس التصريح الذي توحد الجميع على تويتر في انتقاده تقريبا. و قامت الجماعات الدينية بإصدار تصريحات مناهضة و منتقدة و مليئة بالاتهامات ايضا ضد معتصمي التحرير، و هلل لها الكثيرون. و انتقد الجميع بضرواة الانباء المتواصلة عن طرد شخصيات عامة و وسائل اعلامية من ميدان التحرير، و انتقدوا ايضا تجاوزات افراد اللجان الشعبية بالميدان و ما وصف البعض ب"التعذيب" لبعض "البلطجية" المقبوض الذي قبض عليهم في الميدان، و كل ذلك قام بتقوية الصورة السلبية لدى البعض عن المعتصمين. و على البرامج الحوارية، فعدد كبير جدا من المداخلات التليفونية و التعليقات المكتوبة يهاجم المعتصمين (و منها طبعا المدبر و الغير الحقيقي، اعرف)، بدئا من حيث مبدأ "احنا معاكم في المطالب، بس البلد بتقع و كفاية اعتصامات عشان نبني!" و "كله الا الجيش يا ولاد!" و انتهائا ب"يا كفرة يا خونة يا عبيد أمريكا!". و تقريبا، الغالبية الساحقة ممن اعرف عادوا ينظرون الى المعتصمين بنفس صورة ما قبل موقعة الجمل: "عيال هبلة هتخرب البلد و مدفوعلها او مش فاهمة حاجة و عايزة تودي البلد في داهية، و امريكا و اسرائيل محركاهم، جزء منهم بمزاجه و جزء مضحوك عليه." و عدنا مرة أخرى لنظريات المؤامرة و كيف ان أمريكا و اسرائيل هم من يدفعا الى الثورات العربية (راجع هذه المقالة التي انتقد فيها هذه الفكرة)، و هلل البعض لإختفاء "الجاسوس" او "صديق الجاسوس" عمرو غربية و طالب البعض على الانترنت بإعدامه (ثم عدلوا الصفحة و اضافوا: "اذا ثبتت التهم" بعض انهمار الشكاوى و البلاغات ضد الموقع)، و عدد رهيب من الناس فعلا يؤمن (من قبل بيان ٦٩) بأن حركة ٦ ابريل حركة مشبوهة و تتلقى دعم من الخارج و تدريبات، و أستمع منذ بداية اعتصام ٨ يوليو شخصيا الى العديدين في الشارع ممن يطالبون "بسحل العملاء الخونة الهبل اللي في التحرير، و خاصة عملاء ٦ ابريل". المدهش هو انني عندما اعرض طلبات الثوار كل منها على حدة، فإذا بالناس تتفق على اغلبها بصورة واضحة و تؤيدها! فماذا يحدث!؟




لقد كتبت مقالة سابقة عن اسباب فقدان المتظاهرون لتأييد الشارع المصري، و يمكن مراجعتها ان اذا اردتم، و بالتالي لن ادخل في تفاصيل هذه القضية الآن، و لكنني أريد ان ابدأ من حيث ما انتهيت، و اضيف عدة أشياء أخرى.

اي كانت المطالب، سواء ان كانت سليمة او غير سليمة، فلا شك من ان الثوار قد خسروا مرة اخرى معركة كسب تأييد الشعب المصري، و ان هناك أولوية لا يمكن التقليل من شأنها لأهمية اعادة بناء الجسور بين أطراف الشارع المصري، الناشط و الغير ناشط منها، و عدم التركيز فقط على تويتر و فيسبوك كما كان البعض سابقا يفعل. لابد من تفهم مخاوف المواطن البسيط و إدراج هذه المخاوف في المعادلة عند تحديد أي مطالب و اسلوب المطالبة بها. لابد من العودة الى الحوار مع رجل الشارع بصورة صبورة و منظمة، تستمع فيها اكثر مما تتحدث. و اذا استمرت الاعتصامات اكثر من ذلك، لابد من دخول الاعلام بداخل مخيمات الاعتصامات مرة اخرى و توضيح الصورة و التحدث مع الاهالي و المعتصمين اعلاميا و بصورة مصورة، و اظهار الحقيقة حول من هم هؤلاء الناس بداخل التحرير و ميدان الاربعين و المنشية و سعد زغلول و غيرهم. و لابد من ان نتفهم ان بينما نحن قد نكون منهمكون في التحدث عن "التحول الى الديمقراطية"، فأغلب الشعب منهمك أكثر و بصورة واضحة في الحديث عن "إنقاذ البلاد من الانهيار و اهمية الادارة الصارمة و الحازمة للبلد و عودة الاستقرار" (و عادة ما نرد نحن بالسباب و الانتقاد و السخرية لمن يقول ذلك، و اتهامه انه من الفلول)، و يرون في الجيش و المجلس هذا الصمام و هذه الحماية و هذا الانقاذ، هذا بالإضافة أن لدى الجيش شعبية جارفة، على عكس الداخلية، و نجحت بياناته في كسب تأييد  قطاعات واسعة من الشعب. و لا يمكن تجاهل ان الغالبية الساحقة من الناس تعتبر ان الثورة انتهت يوم ١١ فبراير و ان ما يحدث الآن من تظاهرات هو في الاغلب "قلة صبر" من شباب او شخصيات و احزاب ذات مصالح شخصية "تريد القفز على السلطة." كما لابد ايضا من ايجاد و خلق اساليب اخرى/إضافية للتعبير عن المطالب بصورة تتقبلها الناس و لا تحمل امكانية استغلالها او تحويلها من قبل اي جهة معادية الى مواجهة جسدية او مصدر عنف، او إسائة تفسيرها امام الناس بغرض تحريضي، بصورة و لا يستطيع اي احد لومها مهما حاول انها تعطل الصالح العام، مع الاحتفاظ طبعا بحقي التظاهر او الاعتصام كما في كل دول العالم. أي كان، فالواقع انه بالرغم من ان اغلب البرامج الحوارية الشهيرة تظهر تعاطفا مع الثورة و المعتصمين، إلا ان الرأي العام ما زال في اغلبه منقلبا لأسباب عديدة كما ذكرت في مقالتي السابقة، و منها عدم مصداقية بعض قنوات الاعلام الرسمي بالطبع. و عودة الأهرام نسبيا الى سابق عهده، و انحياز عدد من مصادر الاعلام الدينية ذات شعبية فيما يبدو ضد المعتصمين و الثوار الآن. و هذا يأخذنا الى مطلب مهم.

لقد نجحت المرحلة الاولى من الثورة لأنها كانت عفوية و بلا قيادة. أما الآن، فذلك قد يتحول الى سبب انتكاستها في تلك المرحلة. لقد حان الوقت لتكوين مجلس يمثل الثورة و يتحدث بإسمها و يكون مسئولا عن مخاطبة الشعب و شرح اهدافها له. طبعا، هذه الفكرة صعبة شديدة الصعوبة نظرا لإنقسام عناصر الثورة الآن بصورة جذرية. و لكن اذا ركز الثوار على المطالب الرئيسية التي لا جدل عليها (مثل المحاكمات مثلا)، مع استمرار الحق في التظاهر المنفرد لعناصر الثورة في حدود، فقد يكون بالإمكان تكوين هذا كيان التمثيلي المشترك. هذا المجلس و ممثلوه سيستطيعون مخاطبة الشعب و شرح المطالب "الموحدة" بصورة واضحة (بدلا من حالات الاحباط و عدم الفهم و الخوف الذين يصيبون الناس عند الاستماع الى خمسة عشر حركة شبابية و اثنى عشرة إئتلافا ثوريا و ستة و ستين حزبا و عشرين ورقة مطالب مختلفة، دون دراية من منهم يعيره اهتماما حقيقيا!) و التأثير عليه بمصداقية اكبر. و لابد من ان يكون العديد من اعضاء هذا المجلس من غير الشباب. الشعب المصري لا يثق بالشباب، و لا بد من خليط واضح من الشباب و من هم اكبر سنا في هذا المجلس لتسهيل عملية الحوز على ثقة المواطن و اعادة اعطاء مصداقية للشباب.

 متحدثون موحدون، مطالب موحدة.

 بالطبع، هذا يعني اهتماما اكثر بالجانب السياسي من العمل الثوري و فقدان كل من اطراف هذا الإئتلاف قدرا من حرية الحركة، و لكن هذا قد يكون ثمنا مقبولا من اجل عودة الثقة و وضوح العلاقة بين الثوار و الشعب و خلق قدرة واضحة على التركيز على مطالب الثورة و تقييم تطورها، و سيكون التحدي الاكبر هو كيفية ادماج التيار الديني في هذا المجلس و قد آثر بعض عناصره التركيز على الانتخابات و عدم الاشتراك في التظاهرات و الاعتصامات، هذا بالإضافة الى عدد من الاحزاب المدنية ايضا التي انتهجت نهج مشابه.

و لكن كل مشكلة، و لها حل...

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Join This Site With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل



No comments:

Post a Comment