ملحوظة: القصة المذكورة هي بعد الصورة التي بالأسفل، اذا لم تستهويك المقالة ذاتها.
------------
------------
"متصدقهوش. اصله علماني و ليبرالي!" -
على احدى المواقع وجدت احد الاشخاص يقول هذه الجملة تعليقا على ما قاله احد الكتاب الصحفيين. و هذا المعلق لم يحلل او يحاول ضحد الكلام، و لكنه اكتفى فقط بإلاشارة ان المتحدث (في رأيه) هو علماني و ليبرالي، و بالتالي (في رأيه) هو منحل و فاسد و عبد للغرب لا يريد الحقيقة، و اذا بالغالبية من الناس تهلل لهذا الرد المفحم و تبدأ في وصلة سباب للكاتب الاصلي دون ان يهتم اي احدا من ال٢٠٠ معلق ان يضحد الفكرة ذاتها التي قالها. ثم قال نفس الفكرة رجلا ينتمي لتيار محافظ بعد ذلك بفترة، و هللت الناس لرجاحة عقله و استيعابه لمتطلبات العصر، و من اختلف معه قام بتهنئته على اجتهاده و دعا له بالخير! و هذا يتكرر بصورة مستمرة و مستفزة على المواقع و القنوات و في الندوات العامة و غيرها. تقييم الفكرة حسب قائلها، و ليس مضمونها.
وكثيرا ما يحدث ذلك ايضا من الناحية الاخرى، فلا يتقبل الليبرالييون أو اليسارييون او العلمانيون (بالاضافة الى الاسلاميين كما ذكرنا) ما يقوله الآخر، اي كان هو. فالليبرالي في نظر الغير فيما يبدو دائما مخدوعا او لا يهتم بالفقراء و لا يفهم شيئا عن صعوبة الحياة و قد اعماه حب المال و الانحلال و حب الخمور و المجون، و اليساري لابد و انه ملحدا يؤمن بأفكار نظرية او رجعية و لا يمكن تطبيقها في مجتمعاتنا و هو للاسف شخصا يحب الشعارات اكثر من الواقع، و من ينتمي الى احزاب ذات خلفية دينية لابد من انه شخصا مسيرا و مضحوكا عليه من الغير و ليس له اي استقلال فكري و يريد ان يحول مصر الى دولة متطرفة، و هكذا، كما نحب ان نردد. فذلك اسهل كثيرا علينا، ان نحكم على القائل و سبب قوله، و نحكم عليه بصورة خاطئة كثيرا من الوقت، و لا نحكم على ما يقوله. و المضحك حتى ان اغلب من "يتهمون الغير" انهم علمانييون او يسارييون او ليبرالييون او سلفييون لا يفهمون اساسا معنى هذه الكلمات بصورة كاملة، و تتحول الى شتائم دارجة و ادوات للانتقاد اللاذع و التخوين و التشكيك و نسف مصداقية الغير!
و دائما ما نفعل هذا في الدول العربية، و ايضا في أمريكا تحديدا. فالمجتمع اذا كره شخصا ما، فيقرر ان كل ما يقوله لابد بالضرورة ان يكون خاطئ و هدفه تضليل الناس. و اذا احب الناس احدا ما، فربما يطلب منهم قتل انفسهم و سيصدقونه و يفعلونها. اننا تعودنا ان نقيم الكلام حسب من يقوله، و نفترض ان من لا نحبه (بإفتراض ان سبب عدم حبنا او احترامنا له سبب سليم) هو شخص لا يمكن ان يصد الحق عنه تماما. و المضحك انه في ذلك افتراضا ان ذلك الشخص الآخر لابد و ان يكون مخدوعا و غبيا تماما فيما يتعلق بكل شيء، (بينما انت سليما في كل شيء!) او هو شيطانا يريد التلاعب بك.
و يذكرني ذلك بقصة قصيرة كنت قد كتبتها عندما كنت صغيرا...
وصل شاب تائه الى مفترق طرق، احدهما يذهب الى مراعي و اراضي خضراء، و الآخر يودي الى هاوية، السقطة منها تبدو و انها كفيلة بقتله على الحال، و امام هذه الهوة وقف الشيطان نفسه يسد الطريق. عندما سأله الشاب لماذا الشيطان بنفسه يحرس هذه الهاوية، فرد عليه مبتسما و قال: "حتى لا يسقط منها احد". فإبتسم الشاب و قد ملئ الايمان قلبه و قال:
"انت الشيطان! انت دائما تكذب. انت عدو البشر. لابد ان الخير و الحقيقة وراء هذه الهاوية!"
و جرى الشاب و قفز بكل ما اوتي له من قوة من اعلى الهاوية، فسقط صريعا في الحال بجانب العديد من جثث الاخرى لأناس قد قفزت قبله.
عندئذ قال الشيطان ساخرا: "كالعادة! عندما تكون الحقيقة جلية و اريد ابعاد الناس عنها، فيكون من الاسهل لي ان اقولها كما هي للناس او أحاول ان ارسل اليهم من يكرهونه عن حق او غير حق ليقولها، فلا يتبعونها و يفعلون عكسها مباشرة. اغبى الناس من يتجاهل الحقيقة الواضحة لمجرد ان قالها عدوه او شخص لا يحب او يثق به!"
حتى الشيطان يقول الحقيقة احيانا، اي كانت اسبابه...
و حتى من نثق فيهم يخطئون...
و سننهزم اذا لم نتعلم ان نقيم و ننظر الى الكلام ذاته، اي كان قائله...
---------------
ملحوظة: اذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.
ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.
اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل
No comments:
Post a Comment