Friday 8 July 2011

مش لازم نقعد نلعن في بعض!ـ



من اين تأتي الكراهية و لعنة الغير؟

فأنا الاحظ كمسلم منذ فترة كلما ادخل على المواقع الاخبارية ان حدة التعليقات على المقالات المكتوبة اصبحت شديدة و حامية. و المدهش ان جانب كبير منها يكون عبارة عن تهديدات و توعدات و دعوات على كاتب المقال او "الليبراليين و العلمانيين و الملاحدة" (ملحوظة: مصطلح "ملاحده" هذا لم اسمعه قبل هذه الايام) بجهنم و العذاب، بينما المقال يتحدث اساسا عما هو ليس له علاقة بذلك، مثلا عما اذا كان من الافضل تحسين حركة المرور عن طريق بناء الكباري او عن طريق تقليص عدد السيارات في الطريق!

و الاحظ هذا الكم من الشتائم و الدعوات بالعذاب و الوعيد في كل شيء. و قد يكتب كاتبا ما فكرة، و يجادل بمنتهى الهدوء عن مثلا لماذا يفضل ان يتم البدء بالدستور اولا (الموضوع الذي يستفز البعض)، و يبدي اسبابا هادئة و ربما منطقية، فتجد عدد من الناس لا ترد على افكاره و تكتفي بسبابه و لعنه بسبب "تآمره على الدين". و انا لا افهم مطلقا المؤامرة المقصودة، فلا يمكن فعل اي شيء في الديمقراطية مهما حاول احد بدون ارادة الاغلبية في الممثلة في الصناديق.

و في مرة كنت اتحدث مع شخص اعرفه سطحيا، و كنا نتحدث عن شخص صالح جدا في تصرفاته عامة، و هو مسلم مثلنا نحن الاثنان و لكن المتحدث يدعي ان ذلك الشخص لا يصلي بإنتظام "فيما يبدو". و قبل ان اعلق بأيما كنت انتوي ان اعلق به، فإذا بالمتحدث يلعن ذلك الشخص الآخر و يتمنى له جهنم و العذاب في الدنيا، و الغضب يعتصر وجهه. فسألته سؤالا: اذا كان مصدر غضبك هو غيرتك على دينك، و بإفتراض ان السماء مفتوحة و ان دعائك قد يستجاب، لماذا لا تدعو له بالهداية، و لنا نحن ايضا بالمرة، و تكسب شخصا آخر معتدلا قويما يكون عونا للناس في الدنيا بدلا من شخصا ملعونا؟ فلم يرد. فأضفت: "اليس من الممكن، اذا كان فعلا لا يصلي بدرجة ما او تماما، ان يرحمه الله و يغفر له عدم صلاته نظرا لكونه انسان جيدا فيما ما يفعله في حياته عامة؟" فإذا باللون الاحمر يملأ وجهه و يقول: "يا رب لأ! متقولش كده يا راجل!". فأردفت: "يا سيدي! اعتبره رجاء ساذج من قلبك سببه حب الناس و تمني الخير لهم!" فإنفجر قائلا: "لازم يتعذب! لازم يتعذب!"

و في مظاهرة من مظاهرات ما بعد ١١ فبراير كنت في التحرير و كانت فتاة ترتدي ملابس قد لا تحظى بإستحسان الناس الاكثر محافظة و تحفظا، فإذا بشخص  خلفي يلعنها يدعو ان يخسف بها الله الارض. فالتفتّ له و سألته نفس السؤال: "اذا كانت لك دعوة واحدة من المؤكد ان يستجاب لها، اليس من الافضل ان تكون دعوة بالهداية و اصلاح الحال حسب ما ترى انت انه السليم دينيا؟ ام انك تفضل ان الدمار و اللعنة على الخير للناس؟" فشتمني و ذهب بعيدا. و تكررت نفس القصة في صور اخرى، ايضا في الميدان، و ان كان ذلك فقط في مظاهرات ما بعد ١١ فبراير، و لم يحدث ابدا في فترة ما بين ٢٨ يناير و ١١ فبراير. و حدث اليوم في مظاهرة ٨ يوليو.

و كنت في الهند و كان معي شخصا مصري متشدد نسبيا في تلك السفرية، و تناولنا الطعام مع رجلا هندوسي من المذهب الفايشنافي. و هو رجل تتحدث الناس التي عرّفتنا عليه من اجل اعمالنا انه شخصا صالحا، امينا، كثير العمل الخيري و يحب مساعدة الناس جدا. و ثلاثة مرات اثناء وقتنا معه توقف و نزل من السيارة ليعطي فقيرا صدقة، و يتحدث دائما عن ايمانه بوجود اله واحد للكون، و كم انه يحب ان يصلي و يتضرع له بطريقته طبعا. و بعد ان انتهى وقتنا معه، قال لي صديقي المتشدد: "خسارة ان واحد زي ده يخش النار!" فسألته كيف يعرف انه سيدخل النار بالتأكيد، فرد بالاجابة التي تعرفونها. فقلت له "اليس من الممكن ان الرحمن الرحيم العظيم يرى ان ذلك الشخص انسانا خيرا يحب الناس و يساعدها و يعمل بصدق و شرف و امانه و يصلي اليه بطريقته، فيقرر سبحانه انه يستحق الجنة اكثر من ناس اخرى كثيرة؟ اليس الدين هدفه عبادة الله و ان ترعى الناس بعضها البعض بالخير؟" فإنفجر صديقي و قال: "لأ! متقولليش ان ده هيخش الجنة! مينفعش! متضايقنيش! يعني ايه كافر يخش الجنة!؟"

"متضايقنيش!؟"

هل سينتقص من دخول هذا الشخص الجنة اي من المساحة التي قد يهبها لك و لي الله جل و على؟ هل ستحصل على خيرات اقل؟ هل الاماكن محدودة و العياذ بالله في جنات النعيم و إما فقط انت او هذا الشخص ممكن ان تحصلوا عليها، و لا يمكن انتم الاثنين معا؟ هل سيضرك اي شيء لو دخل هذا الشخص، بل الناس كلها، الجنة؟

هذه الناس اقلية في مصر، و انا اصمم على رأيي هذا. فالغالبية الساحقة ممن قابلت في حياتي، و خاصة في الاحياء القديمة مثل الحي الذي قضيت جزء من طفولتي فيه في الاسكندرية، هم ناس لا تعرف هذه الكراهية و احبت جيرانها على اختلافهم و كانوا يرسلوني لألعب معهم و اذهب معهم لأرى الكنائس في الاعياد القبطية و كانوا يقولون لي "ملكش دعوة فلان بيعمل ايه و مبيعملش ايه ما دام مش بيضرك، و إدعي له و إدعي للناس كلها بالخير، و ربنا وحده يحكم علينا." و لم اسمع طوال طفولتي دعوات من هذا الجيل الاكبر مني سنا على من هو ذو دين آخر او من نفس الدين و لكن يختلف في مدى تدينه، او حتى على بعض المصريين او الاجانب ممن لم يكونوا متديينين بصورة واضحة.

و للاسف، دفع انتشار ذلك السباب و اللعن بالعديد من الناس الاكثر وسطية و الاميل للاعتدال  ان تقوم بسب و لعن من يبدو و انهم من المتشددين ايضا، احيانا قبل ان يفعل او يقول احدا منهم اي شيء، لمجرد انه يبدو عليه التشدد شكلا،  بدلا من الدعاء لنا كلنا بالصلاح و الاعتدال و الروح الحسنة...

متى و لماذا اصبح البعض مننا ملئ بالكراهية و العنف، و اصبحت اللعنات و الدعوات بكل ما هو سيئ اقرب الى اللسان من الدعوات بالهداية لأنفسنا قبل أن يأخذنا الغرور و يفترض احدنا انه بالضرورة افضل من غيره، هذا بالإضافة الى الدعوات الى خير الناس اجمع؟ لماذا يريد البعض منا ان يتعذب غيرنا و ان يشقى؟ لماذا يحتاة البعض منا الى من يكره حتى يكون لحياته معنى؟ لماذا لا نتحجج حتى نحب غيرنا و ندعو لهم بالخير؟ لماذا ننسى ان بسملة الاسلام تشتمل على الرحمة مرتان في جملة من اربعة كلمات، الكلمتان التان اختار الواحد الاحد ان يصف ذاته بهما دون عن كل أساميه الاخرى، و اختارهما بسملة نكررها قبل اي شيء حتى يصير معنى الرحمة قريب من قلوبنا؟!

"يا رب الناس كلها تخش الجنة يا اخي. الجنة تشيلنا كلنا و قدنا مليار مرة! ربنا يهدينا و يسامحنا كلنا." - دعوة كان يدعو به دائما شخصا قريبا لقلبي….

اللهم املأ قلبي بمحبة الناس اجمع و الدعوة بالخير لهم...
 و اللهم انزع  الكراهية من قلبي و من قلوب الناس كلها
-----
و قولوا معايا آمين...


------
شكرا هبة عبد العزيز للمساعدة في المقالة. @hebamma
http://idream-monaliza245.blogspot.com
-----------

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل

No comments:

Post a Comment