اتابع كل ما يحدث من تخبط في تحرك الدولة المصرية، و في اداء حكومة د. عصام شرف تحديدا. و بينما اتعاطف معه شخصيا بشدة، و اتعاطف و اقدر مع محاولته ارضاء الجميع و الاهتمام بما يطلب منه و حكومته، في قدر صلاحياته الواقعية و ليس الرسمية، الا ان الواقع ان الحكومة تتصرف بشكل يبدو عشوائي بصورة رهيبة، و تتخطى الصلاحيات المفترض انها ممنوحة لها و المطلوبة منها في تلك المرحلة.
فمثلا، مع انني من مؤيدي الحد الادنى من الاجور و الضريبة التصاعدية من حيث المبدأ و ليس التفاصيل (و بصورة علمية و ليس بصورة ايديولوجية)، فليس من صلاحيات حكومة شرف اتخاذ قرارات سياسية في هذا الصدد. سياسات الاجور و السياسات الضريبية و غيرها ليس من المفترض انها سياسات مؤقتة، و يترتب عليها ابعاد اقتصادية ضخمة، مثل جاذبية مصر للاستثمار الخارجي و قدرة الاشخاص و المؤسسات على بناء مشاريع جديدة او التوسع في الحالية، و غيرها من الابعاد. القاعدة السياسية السليمة تتمثل في أن إتخاذ مثل هذه السياسات الواسعة و المهمة لابد ان يكون في اطار خطة اقتصادية متكاملة ترسمها و تقوم بها حكومة و تكتلات برلمانية يمثلا الشعب في تفويض صريح من صناديق الاقتراع، و تكون بعد دراسة متأنية و محايدة تم مناقشتها في العلن بصورة كافية. فمثلا، مع انني أكرر انني من مؤيدي الضرائب التصاعدية، فهناك فكر اقتصادي و دراسات تشير ان الضرائب الموحدة افضل في اعادة توزيع الدخل بصورة واضحة (و هناك بالطبع دراسات تشير الى عكس ذلك). بل و هناك فكر اقتصادي ايضا و دراسات تشير الى ان سياسات الحد الادنى "قد" تأتي بنتائج شديدة الخطورة، على الاقل اذا لم يتم تنفيذها بصورة مدروسة. لم اصل الى وجهة نظر اخيرة و متكاملة في هذين الامرين حتى الآن و ما زلت ادرسه من اجل رأي شخصي مبني على واقع، و لكن الذي يهم هو اختيار "ما يعطي نتائج حقيقية"، و ليس ما يبدو انه سيعطي نتائج و لديه وقع شعبي افضل. لا يوجد خلاف على اهمية التدخل الآن لمساعدة اصحاب الاجور ضئيلة و الأمراض و المشاكل، و ذلك، فتستطيع حكومة شرف العمل على اعطاء مساعدات مباشرة و تسهيلات خلال ٢٠١١ لمساعدة هؤلاء و غيرهم اثناء هذه الفترة الصعبة و حتى الانتهاء من وضع سياسة الدولة المتكاملة. بالتالي، العمل على دعم و مساعدات اقتصادية لفترة محدودة، و ليس تغيير واسع في السياسات الاقتصادية، حتى و لو كانت قضية عليها قدر واسع من الاتفاق. و مع ذلك، فإنني طبعا اتقبل اي استثناء يحظى بدعم واسع و مدعم بدراسات علمية دقيقة لا جدل عيها.
المفترض اذا من حكومة شرف، و هي حكومة ما بعد الثورة، التركيز على قضايا تطهير الدولة من بقايا النظام، محاكمة المسئولين عن العنف اثناء الثورة، استعادة الامن و اعادة هيكلة وزارة الداخلية، بحث اعادة جدولة و تيسير شروط سداد ديون مصر، العمل على وضع دستور جديد للبلاد، ارساء مبادئ حرية الانسان مثل حرية الرأي و العقيدة و الفكر و العمل السياسي، استخدام آلية مثل مؤتمر الوفاق الوطني (و الذي اساءت الدولة استخدامه) لوضع "تصور" مشروع اقتصادي و سياسي و اجتماعي متكامل لمصر ما بعد الثورة (مثلا، مصر ٢٠٣٠)، و استحداث خطط و مجموعة من الافكار و المشاريع الكبرى التي قد تستخدم من قبل الحكومة و البرلمان المنتخبان القادمان في حل بعض مشاكل مصر(مثل المرور و اسعار المواد الغذائية و التلوث)، مع تحمل مسئولية و تباعيات اختياراتهما كأي حكومة منتخبة. اذا، فكما قالت حكومة شرف أن هذا (عدم تفويضها كحكومة منتخبة) كان إحدى اسباب رفضها للقروض الخارجية، فعلى نفس حكومة ان تكون حازمة فيما لها و ليس لها من تفويض بصفة عامة و ليس بصورة انتقائية، و ما لها من صلاحيات مرحلية، و الا تضع نفسها في خانة الحكومة المفوضة لرسم سياسات الدولة الكاملة في المرحلة القادمة و خاصة انها لا تملك صلاحيات كاملة من قبل المجلس العسكري، تسمح لها بتحمل المسئولية الكاملة أمام المجتمع. و لعل احد اكبر ضحايا هذا التوسع الغير السليم هو الدكتور سمير رضوان، و الذي طُلب منه رسم سياسات عميقة و كبيرة في فترة زمنية قليلة، و بدون صلاحيات حقيقية او حتى مقدرة على التعامل بشفافية كاملة مع الجمهور، و تحول في فترة قصيرة من شخصا حائز على ثقة الناس لشخصا غضب منه المكثيرون لأنه لم يحقق لهم مطالب لم تكن من ضمن صلاحياته بالأساس.
احيانا، قد يكون الاسوأ من حكومة تضع سياساتها في تجاهل للشعب هو حكومة تتسرع في رسم سياسات شعبية الهيئة و ليست مدروسة حتى تحظى بقبول الجماهير. لا يختلف اي انسان على اهمية التدخل الفوري لتسهيل الوضاع على الشعب المصري، و لكن ليس عن طريق سياسات عميقة تتسم بالعشوائية و تفتقر الى التفويض او حتى الشفافية او حتى الرقابة.
---------------
ملحوظة: اذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.
ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.
اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل
No comments:
Post a Comment