Friday, 3 June 2011

تعليق سريع: هل حركا امريكا و اسرائيل الثورات العربية؟ـ



تعليق سريع: الثورات العربية لم تحركها امريكا و اسرائيل سريا.


احدى نتائج العهد الناصري (و نتائج سياسات امريكا و اسرائيل في تلك القترات و ما بعدها، حتى نكون منصفين) هو رسم الصورة الكارتونية ان امريكا و اسرائيل (معا، دائما) هما السبب في كل المشاكل او التقلبات التي تحدث قي المنطقة. فأزمة الغذاء العالمية و ازمة الرهن العقاري (التان اضرا بالعالم كله بما فيهم هاتان الدولتان) كانا السبب فيهما امريكا و اسرائيل، و ارتفاع اسعار البنزين و ازمة رغيف العيش و التلوث و ازدحام الطرق و غيرهم كانوا بسبب امريكا و اسرائيل (اقسم ان هذه اشياء تقال). و المفضلة لي، ان ازمة سمك القرش في شرم الشيخ كان سببها اسماك قرش مدربة و موجهة الكترونيا (اوعى) من اجل تحقيق هدف تدمير السياحة في البحر الاحمر.

و في خضم الثورات العربية، قام عدد لا بأس به من الناس قائلا (خاصة من معارضي التغييرات العنيفة و السريعة و مؤيدي الانظمة المهدَدة) ان امريكا و اسرائيل وراء الثورات العربية و تعمل على تأجيجها لانها "تريد احداث فوضى عامة في المنطقة لاضعاف الدول العربية". هذه الفكرة غير منطقية بأكثر من صورة.

اولا، الانظمة العربية كلها كانت على حالة من الوفاق العام مع اسرائيل، بعضها بصورة رسمية (مثل مصر و الاردن) و بعضها بصورة عملية (دول الخليج مثلا). حتى سوريا كانت في حالة من الصراع الكلامي اكثر من الصراع العملي (و انا اتفهم ذلك) و كان هناك بروتوكول عام في التعامل بين النظام الاسرائيلي و الامريكي و السوري، و لا اقصد اتفاق واضح و لكن اقصد صيغة مكررة في التعامل تم التوصل اليها عبر سنوات من المجابهة، تتكون من درجات متتابعة من التصعيد و التهدئة في المواجهة، مع حفظ الوضع القائم بالنهاية. اما أمريكا فهي كانت على علاقات بكل الانظمة العربية و تتحكم فيها كلها بدرجة ما او بأخرى بالرغم من عدم شعبية تلك العلاقات على مستوى الشعوب ذاتها و رغبتها في زوالها. اما بالنسبة للنظامين التونسي و المصري، فالنظام التونسي كان مفيدا كمثال على نظام علماني (، ان كان اقرب من معاداة التدين في مراحله الاولى عن العلمانية، و هي الحياد) ناجح نسبيا اقتصايا و تعليميا و لا يمثل اي تهديد استراتيجي، بينما النظام المصري كان الحليف العربي الاول لأمريكا في المنطقة و منفذ سياساته و كان الامل في التحكم في العناصر التي يُرى انها اكثر تطرفا في الشارع المصري و المنطقة. و هذا بخلاف العلاقات الامنية بين النظام المصري و الامريكي و الاسرائيلي، و اتففاقية الغاز، و قضية غزة و معبر رفح، و التحكم في حركة حماس و رفض الاعتراف من جانب واحد بقيام الدولة الفلسطينية، و تحجيم دور الاخوان المسلمين في الساحة السياسية مصريا و عربيا، و غيرها من الامور الكثيرة التي اعتمدا عليها امريكا و اسرائيل على النظام السايق.



اما الان و بعد سقوط هذان النظامان و التهديد الحادث لاغلب الانظمة الاخرى، ففي الفترة القادمة سوف تٌعطي مساحات من الحرية للطوائف السياسية المحظورة مسبقا مثل التيارات الدينية التي تبني شعبيتها بصورة ليست بسيطة على فكرة المواجهة مع اسرائيل او حتى فتح باب التطوع. و اي انظمة ستأتي في الفترة القادمة سوف تريد ان تقترب من الشارع لكي تنجح انتخابيا، و من اجل ذلك سوف تزيد على الاقل من لهجة الصراع و المواجهة الحوارية مع اسرائيل و سوف تكون اشد صرامة في السياسة الخارجية مع أمريكا حتى و لو بصورة شكلية. كما ستقوم هذه الانظمة بترميم العلاقة مع حماس و لو جزئيا و تخفيف الحصار عليهم و على غزة و دعمهما يضا و لو بصورة اسمية فقط. و ستقترب هذه الانظمة من ايران عن الصورة الحالية، و ستلعب كارت "الخوف من الشيعة" للتحكم في سقف العلاقة و لكنها لن تهرب من التقارب الذي يسعى اليه الشارع العربي مع ايران و حزب الله (ملحوظة: مفارقة اخرى هي دوام التذكير و الشعور في الشارع العربي بالخوف من ما يسمى التهديد الشيعي بينما هم يريدون توطيد العلاقات ما ايران و حزب الله). و يظل احتمال حدوث نزعة صارمة في سياسات الانظمة الحاكمة القادمة على المدى المتوسط او البعيد بصورة قد تؤدي الى مواجهة عسكرية مع اسرائيا احتمال وارد، مهما كانت ضئالته. و ستعمل الانظمة العربية الجديدة على التقارب فيما بينها سياسيا و اقتصاديا بدوافع براجماتية و سياسية و شعبوية و اقتصادية، مشكلة بذلك تهديد اكبر لاسرائيل و امريكا. و حتى الانظمة التي سوف تتبقى سوف تسير على نفس النهج حتى لا تخرج عما سيكون وفاق عربي عام، معرضة فسها بذلك الى انهيار ما تبقى لها من شعبية. و غير ذلك، فستتعرض كل مكاسب النظام السابق لاعادة النظر، مثل اتفاقية الغاز و محاوطة حركة حماس و غيرها.

اذا، من الواضح ان الوضع السابق كان افضل لامريكا و اسرائيل من كل النواحي و ان هذه الثورات تمثل تحديا استراتيجيا مهولا، و انه ان كانت هناك دولة قد تستفيد سياسيا و اقتصاديا و حتى عسكريا من الثورات العربية، فلن تكون سوى ايران في واقع الامر، و انا لا ازعم دورا لها فيما حدث، فأنا اكره نظريات المؤامرات، و انما اتحدث بصورة عامة.


No comments:

Post a Comment