Sunday 31 July 2011

تعليق: سقوط الليبرالية في الفخ



كنت اتحدث مع احد اصدقائي، و كان يشجعني على الانضمام الى الحزب الذي قد انضم اليه هو شخصيا مؤخرا. سألته عن برنامج الحزب، فقال: "الحزب يؤمن بدولة مدنية، ديمقراطية، حرة، تؤمن بالاقتصاد الحر مع تطبيق العدالة الاجتماعية"، و هي نفس الجملة التي تجدها حرفيا على مواقع كل الاحزاب. و عندما اردت معرفة تفاصيل اكثر، تلعثم و تلعثم ثم قال لي: "انت هتعقدها؟! من الآخر، كل الاحزاب زي بعض. انت عايزها مدنية و لا ايران؟ لو مدنية، خش معانا و بلاش وجع دماغ يا باسم و فلسفة في كل حاجة. لو عايزها ايران، خش مع السلفيين أو الاخوان." و نفس الحوار حدث لي مع صديق آخر ذو ميول محافظة، و كان سؤاله لي في نهاية الحوار: "انت مع الاسلام ولا ضده؟! لو معاه، خش معانا. لو ضده، خش في الاحزاب الكافرة التانية. ميفرقوش عن بعض." هذا الكلام مأساوي بأكثر من صورة.





ايمن نور احد المرشحين و الحزبيين القلائل الذين اعدوا خطط مشاريع شبه كاملة له و لحزبه


فالحوار في السياسة عادة ما يكون حول قضايا الدولة الاساسية، مثل اي انواع التأمين الصحي الذي يناسب الدولة و مواردها، أي السياسات التعليمية هي الافضل، اي طرق الدعم و الاعانة لمحدودي الدخل و من يعانون البطالة هي الانسب، دور الدولة في الاقتصاد و حجم حرية الاسواق، العلاقة بين مؤسسات الدولة، الاصلاح القانوني و الهيكلي للدولة، نظام الحكم ككل، توازنات القوة و التحديات الأمنية في الصعيدين الاقليمي و الداخلي و القوة العسكرية و كفائتها لدى الدولة، و غيرها من الاسئلة الحقيقية التي تقسم الاحزاب و التيارات في الدول حول العالم و تكون محور خلاف حقيقي و بناء اثناء الانتخابات. و لكن، يتحول الحوار يوما بعد يوم في مصر و في الدول الى العربية الى: "هل انت ليبرالي/علماني/كافر ام مع الشريعة؟" و للاسف، فهذا سؤال لا يعبر عن كارثة حقيقية في الثقافة السياسية. فهو سؤال اختزل السياسة كلها الى اذا كنت مع تطبيق المفهوم الوهابي (او غيره)  للشريعة أو ضد ذلك، و هو سؤال ملغم. و المأسآة هي ان اغلب الاحزاب، مع بعض الاستثنائات، لم تقوم حتى الآن بتقديم مشروع انتخابي متكامل، و تكتفي بالعناوين الرنانة الفارغة مثل: "التعليم اهمية قصوى للدولة" و "الرعاية الصحية من كرامة كل مواطن".

و ما اريد التركيز عليه هو ان ذلك كله يصب في مصلحة واحدة، و هي مصلحة الاحزاب ذات الاتجهات المحافظة. فترسيخ الاختيار بين "الحزب المتدين و الحزب الكافر" لا يضع امام المواطن الذي ما زال يتعلم ابجديات السياسة اي مساحة للاختيار من الاساس! و انا ليس لي اي اعتراض على الاحزاب ذات المرجعية المحافظة طالما لم تستخدم الشعارات الدينية في العمل الانتخابي و لم تعتمد فقط عليها دون غيرها في العمل التشريعي، و ارى ان وجودها قد يثري الحياة السياسية و ربما يعيد بعضا مما فقدناه من وجود للمبادئ الانسانية في العمل السياسي (بالرغم من ان الجمعة ٢٩ يوليو لم تكن بشارة جيدة مطلقا!)، و لكن يحزنني اختزال الجدل السياسي في هذه الجدلية الغير منطقية و الغير بنائة. فكما قلت من قبل في احدى المقالات، الغالبية الواضحة ممن هم علمانييون او ليبرالييون هم متدينون، و لكن يفضلون حرية الدولة و المواطن (شبه) التامة لأسباب مختلفة، منها احترام وجود تفاسير مختلفة في الشريعة و الخوف من الجمع بين السياسة و الدين، و حتى الايمان الحقيقي ان الحرية افضل للدين، و لكم حق الاختلاف مع هذه الرؤية. و لكن للأسف، مازالت الاحزاب الليبرالية تهدم نفسها بنفسها امام مساحة كبيرة من الشعب بإستمرارها في اتباع نفس السياسة الخطابية في التعامل مع الناس، و التي، في احسن الاحوال، تقدم نفسها بصورة غير دقيقة تؤدي الى اعادة الحوار الى إطار ان السياسة هي الاختيار بين "الحرية" و "الشريعة"و كأنهما لا يختلطان!

اذا كان لليبرالية المصرية ان تخرج من الفخ الذي تقع و توقع هي نفسها فيه، فعليها ان تنهي حصر السياسة في هذا السؤال السخيف عن طريق أخد عدة خطوات، اعطيكم بعضها من وجهة نظري. أولا، عليها الا يبدو دائما و كأنها تخاف من الدين ذاته، و ان تبحث كيفية مناقشة المواطنين مباشرة حول مخاوفهم من الليبرالية و ما قد يكونوا فهموه عنها بصورة ليست صحيحة. ثانيا، لابد من اختيار شخصيات اكثر جاذبية و شعبية لتخاطب الناس بدلا من بعض الرموز عامة أو الشخصيات الحالية و التي تبدو و كأنها متعالية او لا تتحدث لغة الشعب المصري او حتى تشبهه في الهيئة و الشكل من حيث الاساس. ثالثا، على الاحزاب ان تبدأ في بناء مشاريع حزبية متكاملة و فتح النقاش العام حول هذه القضايا السياسية التي تستحق الجدل بصورة فعلية، مثل التي ذكرتها في أول المقالة. فالمواطن المصري عليه ان يفهم انه لا يوجد شيء اسمه "حزب اعداء الدين" و مثل هذه السخافات الكارتونية، و عليه ايضا ان يفهم انه عندما يختار حزبا، فهو يختار سياسات تعليم و رعاية صحية و تنمية اقتصادية و رؤية سياسية و امنية خارجية و غيرها من السياسات التي تبنى عليها الدولة بحق. كل انسان يستطيع ان يقنع من حولة بآرائه و تفسيره للدين، و تغيير تصرفاتهم الدينية عن طريق مجهوده الفردي، و لكن لن يمكنه المساهمة في بناء دولة على قواعد سياسية سليمة دون ان تصوت لكيان سياسي يتبنى هذه الرؤية الشاملة، اي كان هذا الكيان، سواء ان كان تيار محافظ او يساري او ليبرالي او قومي او غيرهم. اذا كان لمجلسي الشعب و الشورى القادمين، و للرئيس المقبل، ان يقوموا بأكثر من وضع دستور الدولة و رسم معالم نظام الحكم، و البدء فعلا في حكم البلاد و تطبيق رؤي حزبية لسنوات قادمة، و بإفتراض ان فكرة "القائمة الموحدة" التي تجمع احزابا عديدة فشلت او انها لن تكون مبادرة واسعة النطاق و تجميعية فعلا في الفترة القادمة لأي سبب ما، فالوقت قد حان لمناقشة تلك الرؤى الآن، و ليس بعد الانتخابات او قبلها بأسبوع.

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Join This Site With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل. و ارحب بتعليقاتكم و سأرد عليها.


Thursday 28 July 2011

Egypt: Her Excellency, Madame President?


Dr. Steven A Cook (@steveacook), from the Council On Foreign Relations, graciously asked me to guest blog on a topic of my choosing. After some consideration of what I can actually write about, I decided to jot down my thoughts on why the Candidacy of Bothaina Kamel For The Egyptian Presidency seems like such a big deal to me, and why it means much more than what actually it appears to mean. Please read the article and share your thoughts, preferably on the actual blog post, not here.





UPDATE: The Atlantic published the article here.

Wednesday 27 July 2011

عبد الفتاح القصري يترافع ضد مبارك و العادلي


عبد الفتاح القصري يترافع ضد مبارك و العادلي فيما يبدو...




شكرا ريهام خليل على اقتراح المشهد :) @ommansour


لو عندك مشاهد عايز ترشحها، ابعتهالي على تويتر أو اكتبها في تعليق
---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل

حتى الشيطان يقول الحق احيانا


ملحوظة: القصة المذكورة هي بعد الصورة التي بالأسفل، اذا لم تستهويك المقالة ذاتها.
------------

"متصدقهوش. اصله علماني و ليبرالي!" -

على احدى المواقع وجدت احد الاشخاص يقول هذه الجملة تعليقا على ما قاله احد الكتاب الصحفيين. و هذا المعلق لم يحلل او يحاول ضحد الكلام، و لكنه اكتفى فقط  بإلاشارة ان المتحدث (في رأيه) هو علماني و ليبرالي، و بالتالي (في رأيه) هو منحل و فاسد و عبد للغرب لا يريد الحقيقة، و اذا بالغالبية من الناس تهلل لهذا الرد المفحم و تبدأ في وصلة سباب للكاتب الاصلي دون ان يهتم اي احدا من ال٢٠٠ معلق ان يضحد الفكرة ذاتها التي قالها. ثم قال نفس الفكرة رجلا ينتمي لتيار محافظ بعد ذلك بفترة، و هللت الناس لرجاحة عقله و استيعابه لمتطلبات العصر، و من اختلف معه قام بتهنئته على اجتهاده و دعا له بالخير! و هذا يتكرر بصورة مستمرة و مستفزة على المواقع و القنوات و في الندوات العامة و غيرها. تقييم الفكرة حسب قائلها، و ليس مضمونها.

 وكثيرا ما يحدث ذلك ايضا من الناحية الاخرى، فلا يتقبل الليبرالييون أو اليسارييون او العلمانيون (بالاضافة الى الاسلاميين كما ذكرنا) ما يقوله الآخر، اي كان هو. فالليبرالي في نظر الغير فيما يبدو دائما مخدوعا او لا يهتم بالفقراء و لا يفهم شيئا عن صعوبة الحياة و قد اعماه حب المال و الانحلال و حب الخمور و المجون، و اليساري لابد و انه ملحدا يؤمن بأفكار نظرية او رجعية و لا يمكن تطبيقها في مجتمعاتنا و هو للاسف شخصا يحب الشعارات اكثر من الواقع، و من ينتمي الى احزاب ذات خلفية دينية لابد من انه شخصا مسيرا و مضحوكا عليه من الغير و ليس له اي استقلال فكري و يريد ان يحول مصر الى دولة متطرفة، و هكذا، كما نحب ان نردد. فذلك اسهل كثيرا علينا، ان نحكم على القائل و سبب قوله، و نحكم عليه بصورة خاطئة كثيرا من الوقت، و لا نحكم على ما يقوله. و المضحك حتى ان اغلب من "يتهمون الغير" انهم علمانييون او يسارييون او ليبرالييون او سلفييون لا يفهمون اساسا معنى هذه الكلمات بصورة كاملة، و تتحول الى شتائم دارجة و ادوات للانتقاد اللاذع و التخوين و التشكيك و نسف مصداقية الغير!

 و دائما ما نفعل هذا في الدول العربية، و ايضا في أمريكا تحديدا. فالمجتمع اذا كره شخصا ما، فيقرر ان كل ما يقوله لابد بالضرورة ان يكون خاطئ و هدفه تضليل الناس. و اذا احب الناس احدا ما، فربما يطلب منهم قتل انفسهم و سيصدقونه و يفعلونها. اننا تعودنا ان نقيم الكلام حسب من يقوله، و نفترض ان من لا نحبه (بإفتراض ان سبب عدم حبنا او احترامنا له سبب سليم) هو شخص لا يمكن ان يصد الحق عنه تماما. و المضحك انه في ذلك افتراضا ان ذلك الشخص الآخر لابد و ان يكون مخدوعا و غبيا تماما فيما يتعلق بكل شيء، (بينما انت سليما في كل شيء!) او هو شيطانا يريد التلاعب بك.

و يذكرني ذلك بقصة قصيرة كنت قد كتبتها عندما كنت صغيرا...



وصل شاب تائه الى مفترق طرق، احدهما يذهب الى مراعي و اراضي خضراء، و الآخر يودي الى هاوية، السقطة منها تبدو و انها كفيلة بقتله على الحال، و امام هذه الهوة وقف الشيطان نفسه يسد الطريق. عندما سأله الشاب لماذا الشيطان بنفسه يحرس هذه الهاوية، فرد عليه مبتسما و قال: "حتى لا يسقط منها احد". فإبتسم الشاب و قد ملئ الايمان قلبه و قال:

"انت الشيطان! انت دائما تكذب. انت عدو البشر. لابد ان الخير و الحقيقة وراء هذه الهاوية!"

و جرى الشاب و قفز بكل ما اوتي له من قوة من اعلى الهاوية، فسقط صريعا في الحال بجانب العديد من جثث الاخرى لأناس قد قفزت قبله.

عندئذ قال الشيطان ساخرا: "كالعادة! عندما تكون الحقيقة جلية و اريد ابعاد الناس عنها، فيكون من الاسهل لي ان اقولها كما هي للناس او أحاول ان ارسل اليهم من يكرهونه عن حق او غير حق ليقولها، فلا يتبعونها و يفعلون عكسها مباشرة. اغبى الناس من يتجاهل الحقيقة الواضحة لمجرد ان قالها عدوه او شخص لا يحب او يثق به!"

حتى الشيطان يقول الحقيقة احيانا، اي كانت اسبابه...

و حتى من نثق فيهم يخطئون...

و سننهزم اذا لم نتعلم ان نقيم و ننظر الى الكلام ذاته، اي كان قائله...

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل

Monday 25 July 2011

الاعلامي القدير توفيق عكاشة يقضي على الدكتور البرادعي


الاعلامي البارع توفيق عكاشة يضع الدكتور محمد البرادعي في مأزق، و لا يتجرأ الدكتور البرادعي على الاتصال به ليرد على هذه الاسئلة الرهيبة، التي تضع مصداقية هذا السياسي على المحك. فقد أصابه في مقتل، و لعله قضى على اية آمال البرادعي في الوصول للرئاسة. هذا هو نوع الاعلام الذي نحن بحاجة اليه. إعلام صادق، جرىء، يسأل الاسئلة التي نحن بحاجة اليها فعلا، و تدور في عقولنا! دمت ذخرا للأوطان...

الا ترد يا برادعي؟! هل يمكن ان يحكم مصر رجلا لا يعرف سعر حزمة الجرجير!؟





و للمزيد عن زميل السيد توفيق عكاشة، المناضل الصنديد أحمد سبايدر، أرجو مراجعة هذه المقالة.



---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Join This Site With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل

Sunday 24 July 2011

لابد من قيادة للثورة، و لابد من مخاطبة المواطن المصري


ملخص: تجادل المقالة بأهمية العودة الى التواصل مع الشعب بعد ان إنقلب العديد من افراده إما ضد الثورة او المعتصمين. كما ادعو الى اهمية تشكيل مجلس يمثل الثورة و مطالبها أمام الشعب، تسهيلا للتواصل و التفاعل بين الشعب و الثورة، و لإعطاء قوة و دفعة اكبر للمطالب الرئيسية للثورة. انا لا اعلق هنا على الاحداث نفسها او ماذا حدث، و لكنني اريد التركيز على قضية علاقة الشارع المصري بالثورة، في ظل احداث العباسية.
--------------------------


اكتب الآن بعد عودتي لتوي من ميدان التحرير بعد احداث العباسية في يوم ٢٣ يوليو، و التي اصيب فيها اكثر من ٢٣٠ متظاهر بحسب مصادر الاعلام. و اتذكر جيدا بعض الجدل حول المظاهرة او المسيرة من حيث المبدأ. فالبعض حذر ان الشارع المصري لا يرى بنفس الصورة طبيعة التظاهرات الحالية و هناك ايضا من يحاول متعمدا تشويه صورة المتظاهرين امام الشعب و عدم نقل مطالبهم بصورة واضحة. و حذر البعض انها ستكون فرصة ذهبية لتكرار سيناريو احداث ٢٨ يونيو، و إشعال معركة مجهولة السبب او البداية بين العناصر الامنية و المتظاهرون. و البعض حذر من عدم امكان المتظاهرون التحكم في كل عناصرهم بالطبع. و البعض حذر، و هذا ربما هو الاهم، من غضب الناس و نزول الاهالي من المناطق القريبة من مسيرة التظاهرة للاشتباك معها.


احداث العباسية - المصري اليوم

و الواقع ان العديد روى لي أن الكثير من الاهالي (هذا بجانب البلطجية) كانوا في حالة من الترقب و التحفز ضد المتظاهرين، و أكد لي البعض ان كان هناك أهالي بالفعل بين من اشتبكوا مع المتظاهرين، و أن البعض قال لهم: "انتوا فاكرين اننا هنسيبكو تخربوا البلد و تولعوا في مقر وزارة الدفاع!؟" وغيرها من الهتافات الشبيهة، و التي توحي ان عدد ضخم من الناس كان على اقتناع تام بأن المسيرة هدفها الاصلي كان عنيفا، و هو لم يكن صحيحا، و المطالب الاربعة للتظاهرة معروفة تماما و لا شيء فيها او عليها. و كانت اللحظة الاسوأ عندما سمعت سيدة كانت من مؤيدي الثورة و هي تقول: "يا ريت حد يخلص عليهم! ده الواحد بيتندم على ايام مبارك!"

و اريد ان عود الى قبل ذلك قليلا...

فبينما كان الناشطون على تويتر يهاجمون بياني الجيش ٦٩ و ٧٠، حصلا البيانان على آلاف ال "LIKE"  في ظرف ساعات، و هو مدهش ايضا نظرا لصدورهم بعد منتصف الليل، و كانت العديد من التعليقات تؤكد تأييد كمية كبيرة من الناس لهذه التصريحات و لمبدأ الحزم مع المتظاهرين. و في صباح ٢٣ يوليو، كانت ايضا الغالبية الساحقة ممن قابلت في الشارع او تحدثت معهم مؤيدين لبيانات الجيش و يؤكدون على اهمية "سرعة التعامل الحازم مع 'بلطجية و عيال' التحرير." ثم ظهرت صفحة مليونية ٢٩ يوليو المضادة، و الصفحة ايضا مليئة بالغضب و الحشد النفسي ضد المعتصمين. و قبل ذلك، فخرج علينا رئيس حزب الوفد السيد البدوي بتصريح يتهم فيه معتصمي التحرير بالإنتهازية و اثارة الفتنة، و إمتلأت التعليقات بعبارات المديح "للرجل الذي لا يخاف قول الحق". و يمتلئ موقع الاخوان المسلمين بمقالات اخبارية مكتوبة بلهجة مثيرة للغضب ضد المتظاهرين (تم رفع بعضها و تعديل بعضها الآخر) و امتلأت التعليقات بالشكر و المديح للكُتّاب، و بالسباب و الانتقاد للمتظاهرين. و هلل الغالبية الواضحة ممن اعرف لتصريح اللواء محسن الفنجري، نفس التصريح الذي توحد الجميع على تويتر في انتقاده تقريبا. و قامت الجماعات الدينية بإصدار تصريحات مناهضة و منتقدة و مليئة بالاتهامات ايضا ضد معتصمي التحرير، و هلل لها الكثيرون. و انتقد الجميع بضرواة الانباء المتواصلة عن طرد شخصيات عامة و وسائل اعلامية من ميدان التحرير، و انتقدوا ايضا تجاوزات افراد اللجان الشعبية بالميدان و ما وصف البعض ب"التعذيب" لبعض "البلطجية" المقبوض الذي قبض عليهم في الميدان، و كل ذلك قام بتقوية الصورة السلبية لدى البعض عن المعتصمين. و على البرامج الحوارية، فعدد كبير جدا من المداخلات التليفونية و التعليقات المكتوبة يهاجم المعتصمين (و منها طبعا المدبر و الغير الحقيقي، اعرف)، بدئا من حيث مبدأ "احنا معاكم في المطالب، بس البلد بتقع و كفاية اعتصامات عشان نبني!" و "كله الا الجيش يا ولاد!" و انتهائا ب"يا كفرة يا خونة يا عبيد أمريكا!". و تقريبا، الغالبية الساحقة ممن اعرف عادوا ينظرون الى المعتصمين بنفس صورة ما قبل موقعة الجمل: "عيال هبلة هتخرب البلد و مدفوعلها او مش فاهمة حاجة و عايزة تودي البلد في داهية، و امريكا و اسرائيل محركاهم، جزء منهم بمزاجه و جزء مضحوك عليه." و عدنا مرة أخرى لنظريات المؤامرة و كيف ان أمريكا و اسرائيل هم من يدفعا الى الثورات العربية (راجع هذه المقالة التي انتقد فيها هذه الفكرة)، و هلل البعض لإختفاء "الجاسوس" او "صديق الجاسوس" عمرو غربية و طالب البعض على الانترنت بإعدامه (ثم عدلوا الصفحة و اضافوا: "اذا ثبتت التهم" بعض انهمار الشكاوى و البلاغات ضد الموقع)، و عدد رهيب من الناس فعلا يؤمن (من قبل بيان ٦٩) بأن حركة ٦ ابريل حركة مشبوهة و تتلقى دعم من الخارج و تدريبات، و أستمع منذ بداية اعتصام ٨ يوليو شخصيا الى العديدين في الشارع ممن يطالبون "بسحل العملاء الخونة الهبل اللي في التحرير، و خاصة عملاء ٦ ابريل". المدهش هو انني عندما اعرض طلبات الثوار كل منها على حدة، فإذا بالناس تتفق على اغلبها بصورة واضحة و تؤيدها! فماذا يحدث!؟




لقد كتبت مقالة سابقة عن اسباب فقدان المتظاهرون لتأييد الشارع المصري، و يمكن مراجعتها ان اذا اردتم، و بالتالي لن ادخل في تفاصيل هذه القضية الآن، و لكنني أريد ان ابدأ من حيث ما انتهيت، و اضيف عدة أشياء أخرى.

اي كانت المطالب، سواء ان كانت سليمة او غير سليمة، فلا شك من ان الثوار قد خسروا مرة اخرى معركة كسب تأييد الشعب المصري، و ان هناك أولوية لا يمكن التقليل من شأنها لأهمية اعادة بناء الجسور بين أطراف الشارع المصري، الناشط و الغير ناشط منها، و عدم التركيز فقط على تويتر و فيسبوك كما كان البعض سابقا يفعل. لابد من تفهم مخاوف المواطن البسيط و إدراج هذه المخاوف في المعادلة عند تحديد أي مطالب و اسلوب المطالبة بها. لابد من العودة الى الحوار مع رجل الشارع بصورة صبورة و منظمة، تستمع فيها اكثر مما تتحدث. و اذا استمرت الاعتصامات اكثر من ذلك، لابد من دخول الاعلام بداخل مخيمات الاعتصامات مرة اخرى و توضيح الصورة و التحدث مع الاهالي و المعتصمين اعلاميا و بصورة مصورة، و اظهار الحقيقة حول من هم هؤلاء الناس بداخل التحرير و ميدان الاربعين و المنشية و سعد زغلول و غيرهم. و لابد من ان نتفهم ان بينما نحن قد نكون منهمكون في التحدث عن "التحول الى الديمقراطية"، فأغلب الشعب منهمك أكثر و بصورة واضحة في الحديث عن "إنقاذ البلاد من الانهيار و اهمية الادارة الصارمة و الحازمة للبلد و عودة الاستقرار" (و عادة ما نرد نحن بالسباب و الانتقاد و السخرية لمن يقول ذلك، و اتهامه انه من الفلول)، و يرون في الجيش و المجلس هذا الصمام و هذه الحماية و هذا الانقاذ، هذا بالإضافة أن لدى الجيش شعبية جارفة، على عكس الداخلية، و نجحت بياناته في كسب تأييد  قطاعات واسعة من الشعب. و لا يمكن تجاهل ان الغالبية الساحقة من الناس تعتبر ان الثورة انتهت يوم ١١ فبراير و ان ما يحدث الآن من تظاهرات هو في الاغلب "قلة صبر" من شباب او شخصيات و احزاب ذات مصالح شخصية "تريد القفز على السلطة." كما لابد ايضا من ايجاد و خلق اساليب اخرى/إضافية للتعبير عن المطالب بصورة تتقبلها الناس و لا تحمل امكانية استغلالها او تحويلها من قبل اي جهة معادية الى مواجهة جسدية او مصدر عنف، او إسائة تفسيرها امام الناس بغرض تحريضي، بصورة و لا يستطيع اي احد لومها مهما حاول انها تعطل الصالح العام، مع الاحتفاظ طبعا بحقي التظاهر او الاعتصام كما في كل دول العالم. أي كان، فالواقع انه بالرغم من ان اغلب البرامج الحوارية الشهيرة تظهر تعاطفا مع الثورة و المعتصمين، إلا ان الرأي العام ما زال في اغلبه منقلبا لأسباب عديدة كما ذكرت في مقالتي السابقة، و منها عدم مصداقية بعض قنوات الاعلام الرسمي بالطبع. و عودة الأهرام نسبيا الى سابق عهده، و انحياز عدد من مصادر الاعلام الدينية ذات شعبية فيما يبدو ضد المعتصمين و الثوار الآن. و هذا يأخذنا الى مطلب مهم.

لقد نجحت المرحلة الاولى من الثورة لأنها كانت عفوية و بلا قيادة. أما الآن، فذلك قد يتحول الى سبب انتكاستها في تلك المرحلة. لقد حان الوقت لتكوين مجلس يمثل الثورة و يتحدث بإسمها و يكون مسئولا عن مخاطبة الشعب و شرح اهدافها له. طبعا، هذه الفكرة صعبة شديدة الصعوبة نظرا لإنقسام عناصر الثورة الآن بصورة جذرية. و لكن اذا ركز الثوار على المطالب الرئيسية التي لا جدل عليها (مثل المحاكمات مثلا)، مع استمرار الحق في التظاهر المنفرد لعناصر الثورة في حدود، فقد يكون بالإمكان تكوين هذا كيان التمثيلي المشترك. هذا المجلس و ممثلوه سيستطيعون مخاطبة الشعب و شرح المطالب "الموحدة" بصورة واضحة (بدلا من حالات الاحباط و عدم الفهم و الخوف الذين يصيبون الناس عند الاستماع الى خمسة عشر حركة شبابية و اثنى عشرة إئتلافا ثوريا و ستة و ستين حزبا و عشرين ورقة مطالب مختلفة، دون دراية من منهم يعيره اهتماما حقيقيا!) و التأثير عليه بمصداقية اكبر. و لابد من ان يكون العديد من اعضاء هذا المجلس من غير الشباب. الشعب المصري لا يثق بالشباب، و لا بد من خليط واضح من الشباب و من هم اكبر سنا في هذا المجلس لتسهيل عملية الحوز على ثقة المواطن و اعادة اعطاء مصداقية للشباب.

 متحدثون موحدون، مطالب موحدة.

 بالطبع، هذا يعني اهتماما اكثر بالجانب السياسي من العمل الثوري و فقدان كل من اطراف هذا الإئتلاف قدرا من حرية الحركة، و لكن هذا قد يكون ثمنا مقبولا من اجل عودة الثقة و وضوح العلاقة بين الثوار و الشعب و خلق قدرة واضحة على التركيز على مطالب الثورة و تقييم تطورها، و سيكون التحدي الاكبر هو كيفية ادماج التيار الديني في هذا المجلس و قد آثر بعض عناصره التركيز على الانتخابات و عدم الاشتراك في التظاهرات و الاعتصامات، هذا بالإضافة الى عدد من الاحزاب المدنية ايضا التي انتهجت نهج مشابه.

و لكن كل مشكلة، و لها حل...

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Join This Site With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل