Wednesday 8 June 2011

توضيح مفاهيم سياسية ٣: الليبرالية، و ردود الليبراليين على انتقاداتها…ـ

تعليق: حاولت تقصير مقالة بقدر المستطاع. اذا كنت تريد ان تختصر الامر و تقرأ فقط التعريفات فإقرأ حتى الصورة الثانية فقط، صورة السيدة هدى شعرواي.ـ




سعد زغلول

تتهم الليبرالية بانها تكرس الفردية و تجاهل المجتمع و انها تدعو الى الانحلال، الا ان هذا ليس هذا سليما بالطبع. الليبرالية بالاساس تؤمن بأهمية الانسان و كرامته و بضرورة ان يكون سيد قراره و حياته، و الا يتم قمعه او التعدي على حقوقه او ممتلكاته من قبل الدولة و المجتمع تحت مسمى اي اقتصادي او سياسي او امني.

الفكرة بسيطة في ملخصها. الليبرالية قسمان:

١- ليبرالية اقتصادية: و هي تؤمن بأهمية الملكية الخاصة لعناصر الانتاج مثل الاراضي و الموارد (على عكس الشيوعية مثلا) و اهمية السوق الحرة و التجارة لتحقيق اسرع نمو للمجتمع و افضل توزيع لموارده. و تؤمن ان المنافسة في السلع و الخدمات (سواء كان ذلك في اطار دولة واحدة او بين عدة دول) هي انسب طريقة لدفع عجلة الابتكار و التخلص من اهدار الموارد و تقليص الاسعار و مكافئة الافراد الاكثر انتاجا في المجتمع، و غيرها من الفوائد. و بينما اقصى صور الليبرالية الاقتصادية تؤمن بضرائب بسيطة جدا او غير موجودة و عدم تدخل الدولة في اعادة توزيع الثروات و في الاقتصاد الا بصورة رقابية و تنظيمية، الا ان الليبرالية المعروفة و المقصودة عادة عندما يشار الى "الليبرالية" اقتصايا (و في مصر) هي ليبرالية تؤمن بدور الدولة في مساعدة الاقل حظا و في توفير شبكة حماية اجتماعية بدرجة ما تسمح بمساعدة الافراد و بقدر معقول من الضرائب عادة ما يكون اقل من ٣٠٪ على الاقصى، بل و تؤمن حتى في تواجد الدولة بقدر ما في الاقتصاد بصورة منتجة سواء عن طريق شراكات مع القطاع الخاص او شركات مملوكة تماما للدولة.

و لذلك فهناك فارق شديد بين ما يسمى بالليبرالية الجديدة و اقصى صور الليبرالية الكلاسيكية، و بين الليبرالية الحديثة. فمثلما الاشتراكية و اليسارية درجات، تبدأ بالوسطية مثل انجلترا، يسار الوسط مثل الدول الاسكندنافية، و الشيوعية بانواعها مثل الاتحاد السوفيتي السابق و الصين و كوريا الشمالية، فالليبرالية درجات و انواع، بدئا بالولايات المتحدة (اقرب الى الوسط)، بعض دول الخليج (يمين وسط) و اقصى الليبرالية الاقتصادية مثل موناكو والامارات و ليختنسشتاين (ملحوظة: دولة حقيقية و الله العظيم!) و اخيرا هناك مثلا الليبرالية الاجتماعية (نوع من انواع الطريق الثالث) التي تؤمن بدور السوق و لكنها تؤمن بالعدالة الاجتماعية ايضا، و تحاول تحقيق الهدفان معا.

٢- الليبرالية السياسية و الاجتماعية: و هي تؤمن بقدسية حرية الرأي و العقيدة و الفكر و الصحافة و العمل السياسي و المجتمعي، و حق الانسان في الامان الجسدي ضد التعذيب و الاعتقال الغير مسبب، و ان الانسان من حقه ان يختار طريقه بنفسه طالما لا يضر المجتمع ضررا مباشرا. المبدأ الرئيسي وراء ذلك كله هو ان تعطي لغيرك الحقوق التي تريدها لنفسك، و ان تقم بالمسئوليات التي تطلبها من غيرك. الحق الاساسي في كل هذه الحقوق يظل هو حرية الرأي و التعبير عن النفس و الرأي، فهو الحق الذي تبني عليه كل الحقوق الاخرى. كما ان من اهم مبادئ الديمقراطية و الليبرالية هو احترام رأي الاغلبية طالما لم يمسس الحقوق الاساسية للاقليات (سواء اقليات فكرية او دينية او عرقية او جغرافية او الخ) و الافراد الغير منتمين الى مجموعة اوسع.

و بالتالي، قد يكون انسان ما محافظا/يميني اخلاقيا و ليبرالي اقتصاديا، او يكون اشتراكي اقتصاديا و ليبرالي سياسيا، و غيرها من التراكيب. اما اقصى درجات الليبرالية السياسية و الاقتصادية المجتمعة تسمى الليبرتارية، و تؤمن بالحرية (شبه) المطلقة للفرد في الاحوال الشخصية و اقل صورة ممكنة لتدخل الدولة في الاقتصاد و ترك الاسواق لحالها باقصى صورة ممكنة واقعيا، و تؤمن ان هذا الشكل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي هو انسب اسلوب لحقيق الرخاء في المجتمع ككل، بما حل قضية تحقيق العدالة الاجتماعية.




هدى شعراوي


القضية التي تثير انتباه الليبراليين عندما تُهاجم الليبرالية هو ان مبدأ "حرية الاختيار" يحظى بهجوم شديد لدى بعض اطياف المجتمع. و لكن رد الليبرالي عادة ما يكون كالتالي: اذا اعطيت لنفسك الحق في قمع من يخالفك في الرأي جسديا او معنويا، اذا فأنك توافق ضمنيا على اعطائه نفس الحق اذا اوتي القوة. اذا اعطيت الحق لنفسك ان تفرض تفسيرا دينيا او فكريا او فلسفيا على آخرين، فانت تعطيهم ضمنيا نفس هذا الحق ان يفرضوا عليك تفاسيرهم الاكثر تشددا او الاكثر انحلالا من وجهة نظرك اذا اوتوا القدرة. اذا اعطيت الحق لنفسك ان تُسكت احدا لانك ترى انه يقول باطلا، فانك تعطي ضمنيا نفس هذا الحق للشخص الآخر ان يسكتك اذا اوتي القوة و القدرة لانه يرى ان كلامك انت باطلا و خطيرا. فالليبرالية اذا تدعو الناس لاستخدام الخطاب الهادئ و الاقناع السلمي في التأثير على فكر المجتمع، و ليس بالقانون و الاجبار، و تدعو الى جدل بالحناجر و الاقلام بدلا من معارك بالايدي و القوانين و الاسلحة. و يرون المثل الافضل هو كيفية انتشار الحجاب بين اكثر من ٨٠ ٪ من الفتيات المصريات و انتشار التدين و الصلاة و غيرها دون قوانين او اجبار و بالهدوء و الموعظة، و ان اغلب الغير محجبات محتشمات، و ما ادى ذلك الى حقيقة ارتباط و محبة الانسان المصري لشعائره الدينية و فهمه لها و مقاصدها مقارنة بببعض المجتمعات التي تطبق فكر الاجبار.

و يضيف الليبراليون انه اذا كان الانسان غير كامل و معرض للخطأ، و بالتالي يخاف البعض من اعطائه حريته، فكيف يحدد حدود حريته اناس آخرون غير كاملون و معرضون للخطأ؟! و حتى و ان قالوا انهم يتبعون قوانين مقدسة، فالناس تختلف في التفاسير و في التطبيق، و بالتالي فهي اناس غير كاملة و معرضة للخطأ تريد تطبيق رؤيتها لتلك النصوص المقدسة على الجميع. و حتى و ان اجتمعت اغلبية ساحقة على فكرة ما، فإن اغلب الثورات الفكرية و الاخلاقية التي سادت افكارها فيما بعد بدأت بشخص واحد قرر الاختلاف مع المجتمع، مثلما نزعت هدى شعراوي غطاء الوجه (شيء يشبه النقاب) بعد ان كان شيئ مطبق على جزء واسع من الشعب و طالبت باعطاء المرأة مساحة اوسع من حرية العمل و الجسد و الاختيار، و التي تصبحت كلها الآن مبادئ طبيعية تلقى قبول واسعا من المجتمع (و ان اختلفوا في درجات الحرية)، مقارنة برفض و استهجان المجتمع المصري انذاك لهدى شعراوي و افكارها، او مثل روزا باركس السيدة الامريكية السوداء التي رفضت ان تجلس في خلف الحافلة كما كان يتوقع المجتمع الامريكي من ابناء البشرة السمراء، و ثار ضدها اغلب الشعب الامريكي الابيض البشرة و تحدثوا عن انهيار قيم المجتمع الامريكي، الا ان الواقع انها بذلك بدأت بهذا العمل ثورة الحقوق المدنية في امريكا و نهاية العنصرية المدعمة قانونيا و اصبح مبدأ المساواة فكرة ركيزة من ركائز السياسة و المجتمع الامريكي. و بالتالي، فبينما قد تؤدي الحرية الى بعض ما قد يضايق المحافظين من المجتمع، فهي تحمي المجتمع من ان يقضي على حريات اتاحها الدين له في واقع الامر و اختلف معها اصحاب تفاسير معينة قد يسيطرون على السلطة في وقت ما، و هي تحمي المحافظين و تعطيهم قدرتهم على ممارسة تفاسيرهم الاكثر صرامة في حياتهم بالرغم من رفض البعض لها حتى و ان سيطروا على السلطة في وقت ما. و بالتالي، مرة اخرى، المبدأ الرئيسي هو: اعطي لغيرك الحقوق التي تريدها لنفسك، و قم بالمسئوليات التي تطلبها من غيرك، و ان تضمن الحقوق لمن هو اضعف منك حتى يضمنها لك هي نفسها هذه صار اقوى منك يوما ما.


--------------- 
ملحوظة: هذه السلسلة من المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأيي الشخصي او قناعاتي الشخصية، و احاول عن طريقها عرض وجهان نظر كما يعرضها اصحابها.
---------------
المقالات السابقة في السلسلة:
---------------
ملحوظة٢: اذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي     تحتوي على اهم مقالات المدونة.
شكرا جزيلا.


No comments:

Post a Comment