Tuesday 21 June 2011

لماذا الدستور أولا...ـ

ملحوظة: هذه المقالة ليست محايدة مثل بعض مقالاتي السابقة. انا ادافع عن رأي شخصي هنا.
--------------


اعرف انك قرأت اربعة آلاف مقالة عن هذا الموضوع، و لكن اتمنى ان يكون لك قدرة على جعلهم ٤٠٠١.

بدأت حملة "الدستور اولا" في محاولة جمع توقيعات كافية لاعطاء نفسها ثقل رقمي قد يعطيها مصداقية هي و مطالبها. الا ان المشكلة انه مهما كان الرقم، فهناك استفتاء قد تم، و صوتت الناس عليه بغالبية واضحة، موافقة على التعديلات الدستورية و على اجراء انتخابات مجلس الشعب أولا.

و الآن نجد نفسنا في مأزق.

فأولا، نحن نطالب بإلغاء نتيجة تم الحصول عليها في اطار عملية ديمقراطية و هذا يضعف موقفنا جدا. ثانيا، هناك فوائد عديدة من الالتزام بخريطة الطريق الحالية و منها اعطاء شعورا عام بالاستقرار للجهات الخارجية و الداخلية. ثالثا، قد يسرع هذا نسبيا انتقال السلطة الى اياد مدنية. رابعا، المكاسب من الغاء الاستفتاء و التقدم الى الدستور أولا ستضر طرف اكثر من الاطراف الثانية بكثير. فالاحزاب الاسلامية الآن مكتسحة للساحة و لا وجود لمعارضة حقيقية، و من مصلحة هذه الاحزاب و الحركات ان تتحرك سريعا و تقيم الانتخابات قبل اتساع دائرة الانقسامات بداخلها و قبل اعطاء الاحزاب و الحركات الاخرى ان تأخذ فرصتها في بناء نفسها. الاهم، بإستطاعة الحركات الاسلامية و الاحزاب ان تسيطر بصورة كبيرة على عملية كتابة الدستور في حالة اكتساحها لمقاعد مجلس الشعب.





فلماذا الدستور أولا؟ لأننا ما زال فينا بعض من حماسة الثورة و بعض من روحها، و ما زلنا نجبر بعضنا على احترام بعضنا اذا لم تكن هذه حقيقة مشاعرنا في الحقيقة، و مازلنا نقدس قيمة الحرية التي حاربنا بأجسادنا من اجلها اثناء الثورة، و ما زال دم الشهداء دافئا و مازالت ذكراهم ستقنعنا ولو نسبيا بفعل ما في مصلحة الوطن قبل مصلحتنا الشخصية او الحزبية. اما اذا انتظرنا حتى قامت الانتخابات...



 سُتخرج المنافسة منا اسوأ ما فينا، و ستبدأ الشتائم، و و الاتهامات بين الاطراف، بين الاتهام بالتطرف و الجهل و المؤامرة لقلب الديمقراطية من ناحية، و الاتهام بالكفر و الالحاد و التخابر مع الغرب في الاخرى. و بعد الانتهاء من الانتخابات، سنكون قد  تحزبنا و فقدنا ما تبقى لنا من روح طيبة و ثورية و دخلنا في السياسة بقذارتها، و تقسمت البلاد بين ليبرالي و محافظ و وسطي و تتحول عملية صنع الدستور الى طريقة لاحراز المكاسب الانتخابية، و قد يتحجج الكل بمقاعده في البرلمان او من اجل مقاعده في البرلمان حتى يصنع الدستور كما يريد هو و جماعته و حزبه. و مازلنا نعاني حتى الان مما حدث في الاستفتاء و التلاعب بعواطف الناس الدينية و الضغط عليهم بسيرة الشهداء، كل لجعل المواطن يصوت كما يريدون، سواء بنعم او لا، و هذا بخلاف ما حدث من مشاكل أخرى و مشاهد تثير الحزن مثل الاعتداء على الدكتور البرادعي و الضحك على الناس لتختار اللون الاخضر و سؤال البسطاء في الصناديق للقضاة عن كيف يصوتون، و غيرها. و غير ذلك كله، فالاستفتاء حدث في عجاله و لم يتفهم احد محددا ماذا يحدث، بما في ذلك النخبة السياسية التي ابدت عدم استقرار في الرأي و حالة من التلخبط العام. بل اقسم ان في اللجنة التي صوت فيها، و كانت من اكثر اللجان من حيث المتعلمين و عدد المشاهير و المثقفين (و اعرف كم كانت الجملة الماضية مستفزة، و لكنني اكرر ما قاله الاعلام، و انا صوَّت هناك بالصدفة و ليس بالقصد) كانت اغلب الناس لا تصوت لاسباب سليمة، كانت المناقشات و الجدالات مستمرة حتى الصندوق، و الناس كانت في حالة تكتشف اشياء مذهلة و تغير رأيها لنعم او للا حتى آخر لحظة قبل الصندوق. لم يفهم العديد علام يصوت! انا لا اقول ان من قالوا نعم كانوا مضحوكا عليهم كما يقول البعض او لم يفهموا ماذا يفعلون، بل اقوا ان كلنا لم نفهم ماذا نفعل، سواء من قال نعم ام لا. اذا اردت دليلا، فسيكفيك مراجعة الحوارات قبل الاستفتاء و التي قالت ان دستور ٧١ سيستمر بعد الاستفتاء اذا صوتت الناس بنعم، و مع تصاعد حملة "لا للدستور" اعلنوا ان الدستور سيعطل في كلا الحالتين، و و تم القيام بإعلان دستوري يتضمن المواد المعدلة بعد ان كان اساسا من المفروض استمرار الدستور القديم! ان كل هذا يوضح كم الجدل و عدم الوضوح حول كل ما يحدث، مع استمراري في الايمان بسلامة نية الجميع.

اما اذا وضعنا الدستور الآن، فبإمكاننا تقليل كل ذلك، و استغلال الروح الثورية و الرغبة في الشعور بأننا انهينا احدى ركائز بناء الدولة عن طريق انهاء عملية صنع الدستور سريعا و بإمكاننا وضع رؤية للوطن تشملنا جميعا و التركيز على الحكم فور الانتخابات و ليس على الصراعات. غير ذلك، سيكون بإمكاننا انتخاب مجلس شعب و رئيس جديدين على قواعد سليمة و البدأ في حكم البلد على اسس سليمة من اول يوم بدلا من اضاعة فترة طويلة تحت مجلس منتخب بقوانين قد اهلكها الزمان و رئيس بلا دستور حقيقي يحكمه! بل هي ايضا فرصة لبدء الجمهورية الثانية المصرية فورا و بخريطة طريق جديدة و واضحة و سريعة، و على قواعد سليمة دون استخدام ارث الجمهورية السابقة بأمراضها. و الاهم من ذلك سنكون اعطينا فرصة حقيقية للمصريين ان يفهموا السياسة و الحركات السياسة بصورة بعيدة عن الصورة الكارتونية التي تحدث الآن، حيث العلماني هو الكافر و الليبرالي هو مشجع زواج المثليين و الاسلامي هو من يريد اقامة خلافة اسلامية و تحجيب النساء قصرا. فإذا لم نستطيع حتى القيام بالدستور اولا، فعلى الاقل الاتفاق على تأجيل الانتخابات الى اول العام.


فماذا قد تكسب الاحزاب الاسلامية و المحافظة؟

احترام الطوائف السياسية الاخرى لها، و ثقة الشعب و الليبراليون و العديد من الاناس التي تشك في نوايا الاحزاب و الحركات الاسلامية، و اعطاء دفعة معنوية للوحدة الوطنية، و فرصة عظيمة لزعمائها ان يدخلوا كتب التاريخ كقادة فضلوا مصلحة الوطن على مصالحهم، اثباتا بما لا يقبل الضحد على حسن نواياهم و انهم يفضلون وحدة الوطن و مصلحته فوق بعض من مقاعد البرلمان. و المهم انه اذا كان البعض يخاف من ان القوى اليبرالية قد تحاول سن مواد دستورية او قوانين مخالفة لما قد يعتبره البعض قيم عامة مهمة، فحتى و ان حدث ذلك، و لن يحدث، فستزال هناك نفس القوى المحافظة المهيمنة اليوم و سيظل بإمكانها ايقاف ذلك بشعبيتها الجارفة و بمقاعدها العديدة حول طاولة الحوار.

قد يخسرون عدة مقاعد، و لكنهم ايضا قد يفوزون بمقاعد اكثر من احترام الناس لهم و تزايد الثقة بهم، و لن يتذكرهم التاريخ انهم لعبوا لعبة غير عادلة نسبيا عندم اتاحت لهم الفرصة في سبيل الحصول على القوة. و في كلا الحالتين ، فلا شك انهم سيكسبون احترام شعب، و سيكسبون وطن...





---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي       تحتوي على اهم مقالات المدونة.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على LIKE  او TWEET. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل.

No comments:

Post a Comment